احتضنها المعهد العالي للقضاء بنزوى

تغطية ــ سالم السالمي:
■ رعى معالي الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة صباح أمس بقاعة المؤتمرات بالمعهد العالي للقضاء بولاية نـزوى اعمال الندوة الموسعة عن حقوق الإنسان في محاكمة قانونية والتي نظمتها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بالتعاون مع المعهد العالي للقضاء. حيث هدفت الندوة الى التعرف على حقوق الإنسان من مرحلة الضبطية القضائية إلى مرحلة صدور الحكم والتنفيذ العقابي ومد جسور التعاون بين اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان والمعهد العالي للقضاء ونشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان بين المؤسسات المختلفة في السلطنة وبناء جسور الحوار والتعاون بين مختلف شرائح المجتمع.
وقد تضمنت الندوة القاء أربع أوراق عمل حملت عناوين حق الإنسان أثناء مرحلة جمع الاستدلال وحق الإنسان أثناء مرحلة التحقيق وحق الإنسان اثناء المحاكة وحق الإنسان أثناء التنفيذ العقابي الى جانب عقد جلسة حوارية للمشاركين.
بدأت الندوة بكلمة ألقاها الدكتور محمد بن سليمان الراشدي رئيس اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان، عضو اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ومستشار بمكتب معالي وزير العدل قال فيها: إن هذه الندوة تأتي انطلاقا من حرص اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان والمعهد العالي للقضاء بأهمية وضرورة نشر الثقافة القانونية المتصلة بحقوق الإنسان في كافة جوانبها وبمختلف تجلياتها القانونية والاجتماعية والثقافية ونهوضا بالواجب الوطني وتأدية للأمانة اتساقا مع المبادئ الأساسية والقيم الرفيعة لواقعنا العماني، في ظل عصر النهضة المباركة الذي ارتفع فيها شأن الإنسان، حيث كفلت له القوانين السارية حقوقه المتكاملة.
ضمانات لصالح المتهم
وقال أيضا: إن الله عز وجل أقام الكون على أساس العدل، بحيث لا يجور إنسان على إنسان، ولا يتعدى مخلوق على مخلوق آخر، ولقد وضع الله تبارك وتعالي للعدل مقاييس يعرف بها، ويميز عما ينافيه من الظلم والجور، وأوضح للناس الوسائل التي تمكنهم من الوصول إليه، وتسهل عليهم سبل تحقيقه، وأبرز تلك السبل وأهمها القضاء، فالله جل شأنه قد شرع القضاء حيث قال: ليقوم الناس بالقسط، وليزنوا كل شيء بقسطاس مستقيم.
وأضاف في كلمته: إن الشريعة الإسلامية اهتمت بتحديد ضمانات عديدة لصالح المتهم، وذلك تجسيدا للقيم الإنسانية النبيلة، منها الحق في التكريم، فلقد كرم الله تعالى الإنسان واعتبره أرقى المخلوقات كما جاء في قوله تعالى عز وجل: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا.
وأوضح في كلمته أنه ينبغي تطبيق مبدأ إعمال أصل البراءة، مع لزوم اشتراط اليقين في الإثبات الجزائي للقاعدة الشرعية، اليقين لا يزول بالشك، وقد ثبت في الشريعة: درء الحدود بالشبهات.
واستجابة لهذا التوجيه الرباني الذي هو مصدر التشريع في السلطنة، فإن جميع التشريعات الوطنية خاضعة لهذا المبدأ القويم، انطلاقا من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم: (101/1996م)، نص في المواد من 17 الى 25 على عدد من المبادئ والحقوق، والتي تكفل عدالة المحاكمات، وتحقق الضمانات، لتوفير المحاكمة المنصفة، والمواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم، وعلى هذا فإن النظام الأساسي للدولة أنشأ قضاء عمانيا وكفل له الاستقلال التام، في أحكامه بمقتضى القانون، وأصبح القضاء في السلطنة قضاء عصريا يقوم على أسس العدالة الناجزة، وتقريبه من المتقاضين، والسلطنة بذلك وفرت الضمانات الأساسية لحقوق الإنسان، وما من شك فإن هذه الندوة ستدرس الضمانات التي يجب تحقيقها وتبين ما في الإجراءات من خلل، وسترشد على تجنبها، وستصوغ ذلك في توصيات وستكون بناءة.
المحاكمة القانونية العادلة
بعد ذلك ألقى الدكتور حمدي محمد محمود حسين أستاذ القانون الجنائي المشارك، كلمة قال فيها بإن المحاكمة القانونية العادلة واحدة من حقوق الإنسان إذا ارتبك جرما، لأنه لا يمكن أن يحيى حياة كريمة ومستقرة دون أن يشعر بالأمان والعدالة.
وتحدث عن التطور الذي حدث في مجال قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية، خلال العصر الحديث، ثم قدم تطوافا على النظرة السائدة لحال المجرم من قبل المجتمع، حيث كان ينظر له نظرة استعلائية ويصف بأنه أشبه بجرثومة يجب القضاء عليها.
وفيما يخص القوانين العمانية المتعلقة بالحقوق، أكد النظام الأساسي للسلطنة أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها.
وتحدث المحاضر أيضا عن قانون الجزاء العماني، وبعض القواعد التي يتبعها قانون الجزاء العماني، في مرحلة جمع الاستدلالات، ومرحلة الإجراءات التحفظية، ومرحلة التحقيق الابتدائي، ومرحلة المحاكمة.
حقوق أثناء جمع الاستدلال
وحفلت الندوة بتقديم جلستين متواصلتين، قدمت خلالهما مجموعة من أوراق العمل والحديث الحواري مع أصحاب الخبرات والتجارب في هذا المجال، ترأس الجلسة الأولى المحامي أحمد بن سيف البرواني عضو اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان حيث ألقى الدكتور مزهر جعفر من أكاديمية السلطان قابوس لعلوم الشرطة، ورقة تناول فيها «حق الإنسان أثناء مرحلة جمع الاستدلال»، قال فيها: تتوزع قواعد قانون الإجراءات الجزائية عموما على نوعين من القواعد يختلف مضمون كل منهما على ضوء المصلحة المحمية التي لا تخرج عن واحدة من اثنتين، فهي أما أن تكون مصلحة عامة وإما أن تكون مصلحة خاصة، وهما مصلحتان مختلفتان من ناحية موضوعهما، الأول، مصلحة اجتماعية، والثاني مصلحة شخصية، أو خاصة، ولذلك كانت غاية المصلحة العامة تقرير حق الدولة، في العقاب، تحقيقا للأمن والاستقرار داخل المجتمع، وغاية المصلحة الخاصة المحافظة على حقوق ق الأشخاص من الانتهاك والتعدي عليها.
وأشار في ورقته إلى حقوق غير المتهم من خلال مبحثين الأول في حق غير المتهم في مواجهة التفتيش، والثاني في حق غير المتهم في مواجهة القبض عليهم.
حقوق أثناء مرحلة التحقيق
وألقى محمد بن درويش الشيدي عضو الادعاء العام ورقة بعنوان «حق الإنسان أثناء مرحلة التحقيق»، أشار فيها إلى مرحلة التحقيق الابتدائي، وما سبقها من جمع استدلالات المرحلة السابقة على المحاكمة، وقال: إن التحقيق الابتدائي يعني مجموعة من الإجراءات القضائية التي تباشر من السلطة المحددة قانونيا، الهدف منها البحث والتنقيب عن الأدلة التي تفيد في الكشف عن الجريمة، لذلك كانت أهميته بناء على هذا المعنى، هو أن لا ترفع دعوة عمومية إلى المحكمة بدون أن تكون هناك من الأدلة والأسانيد القانونية التي تدعمها. وكان الحديث عن السلطة المختصة بالتحقيق الابتدائي، وضمانات الاستجواب، وضمانات الأمر بالقبض والإحضار، وضمانات الحبس الاحتياطي والتظلم منه، كانت ما شملها موضوع الورقة.
حق الإنسان أثناء المحاكمة
وتحدث المحامي الدكتور علي البوعلي في ورقته الثالثة حول حق الإنسان أثناء المحاكمة، حيث قال: إن لكل إنسان الحق في المساواة الكاملة في محاكمة عادلة وعلنية، أمام لجنة مستقلة، ومحايدة وله الحق في الفصل في حقوقه والتزاماته، وأية اتهامات بنائية ضده ويقدم ذلك من خلال النظام القضائي في السلطنة.
وأشار إلى أن القضاء سلطة مستقلة وفصلها عن السلطات الحكومية الأخرى هو ما تشمله المحاكمة العادلة من جوانب مختلفة، واختتم ورقته بالا شارة إلى حق الإنسان في محاكمة عادلة من حيث الاستقلال والحياد والجلسات العلنية والحق في تقديم الأدلة وقرينة البراءة حتى تثبت الأدلة بالإضافة إلى الحق في الاستئناف. وألقى الدكتور راشد بن حمد البلوشي من جامعة السلطان قابوس ورقة بعنوان:»حق الإنسان أثناء التنفيذ العقابي»، سلط فيها الضوء على موضوع الحق في التقاضي كأحد حقوق المسجون في مرحلة التنفيذ العقابي، وذلك من خلال تناول موضوع يعتبر من أحد أهم الحقوق المدنية، التي يتمتع بها المحكوم عليه في مرحلة التنفيذ العقابي وهو الحق في التقاضي وفي الطعن على التنفيذ، حيث أن هذا الحق كفله النظام الأساسي للدولة لكل مواطن ومقيم، وبالتالي يحق للمحكوم عليه المسجون الاتصال بالجهات القضائية والاتصال بمدافع عنه في القضايا المتعلقة به. وفي الندوة الحوارية التي أدارها الإعلامي موسى بن عبدالله الفرعي شارك كل من النقيب محمد بن شهدات البلوشي من شرطة عمان السلطانية، والمحامي خليفة الهنائي، والعقيد راشد بن حمدان الحجري من السجن المركزي، دارت الحوارات حول حقوق الإنسان أثناء مرحلة جمع الاستدلال وكذلك حقه أثناء التحقيق، وحقه أثناء التنفيذ العقابي.
وصرح معالي الدكتور رئيس مجلس الدولة راعي افتتاح الندوة قائلا : لا شك أن هذه الندوة تأتي بمبادرة من اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بالتعاون مع المعهد العالي للقضاء وهي مبادرة طيبة أن يكون هناك تعاون بين المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان والقضاء. وأضاف: إن عنوان الندوة تنبع من مادة أساسية في النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 101/96 و الذي أكد على حق الإنسان في محاكمة قانونية يراعى فيه شخصه واحترامه ونأمل أن شاء الله أن أوراق العمل في هذه الندوة تخرج بتوصيات تساهم في حقوق الإنسان وفي توفير محاكمة قانونية عادلة.■