إعداد ـ زهير ماجد:

مقدمة: زمجر النائب ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط في وجه الصحافي المعروف روبرت فيسك بان " سايكس _ بيكو انهارت وماتت " .. وخلال الاسبوع الماضي صرح رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري اثناء رحلة له الى جنيف " ان سايكس بيكو بين سوريا والعراق قد سقط بانتظار سقوطه بين لبنان وسوريا ". بل ان احاديث عفوية واخرى مدروسة، بدأت الحديث عن تلك الاتفاقية الخبيثة التي اقترب عمرها من المائة عام .. فهل لأنها بلغت القدم اصبحت من الماضي ام ان ثمة ما اصابها فصار الكلام عنها ضروريا في هذه الظروف.
ــــــــــــ
لاشك ان مافعله " داعش " قد تجاوز سايكس بيكو بكثير .. هذا التنظيم الارهابي رغم ان له جغرافيته الخاصة التي لايعترف الا بها، فهو الغى حدود بلاد الشام، واقام حدودا جديدة للمنطقة ككل .. ولولا مفاهيمه وطرقه الخاصة في اثبات وجوده، لقيل في محو الحدود الكثير من الكلام الجميل خصوصا عند القوميين الذين هم مثلنا والذين يرفضون سايكس بيكو وكل اشكاله وما نتج من سايكس بيكويات.
المنطقة العربية في هذه الايام مشغولة برد الارهاب، لكنها ايضا ليست بعيدة عما يثار بين الفينة والأخرى من افكار حول تقسيم جديد لها، يفوق المقسم والمفتت .. وليس برنارد لويس ببعيد وهو سيد من طرح مشاريع من هذه النوع، حتى لكأن مايحصل من بنات افكاره ومن لبناتها.
اذا كانت بلاد الشام والعراق وهي التي تعرضت لقسمة سايكس بيكو، فإن المنطقة العربية برمتها موضوعة على مشرحة التقسيم المتجدد .. منه ماتطرحه " داعش " ، ومنه ماقيل عن الشرق الاوسط الجديد ، ثم الكبير ، وكلها محاولات لكتابة جغرافية مختلفة عن كل ماسبق ، جغرافية تدميرية للبنية العربية التي حلمنا بوحدتها بدل فرقتها ، وعملنا جاهدين على تحويل الفكرة الى متنفس للام ، فكانت اول وحدة بين مصر وسوريا انموذجا لهذا الحلم العربي الذي نتطلع اليه.
لكن المفارقة الغريبة، انه من شدة الخوف على الأمة من التقسيمات الجديدة والمقترحة ، بات البعض يتمنى سايكس بيكو ويتمسك به ويعتبره صورة منطقية عما آلت اليه المنطقة ويجب ان يظل قائما. تلك الفكرة التي حاربناها طويلا ترانا نعتبرها افضل الافكار المعروضة فنمسك بها خوفا من ان نتوه في عالم عربي لن نتمكن من التعرف عليه، فيصبح ماسوف نتعرف عليه ونتقبله مع الوقت وتتقبله اجيال ستولد في متنه، تماما كما هي الاجيال التي ولدت مع سايكس بيكو فنمت في دواخلها كل البواعث القطرية وصار قطرها اولا، فماتت الوجدة في داخلها. اذن من كان يتصور ان احتمال سقوط سايكس بيكو يمكن ان ينشر الهلع في المنطقة وقد وصف هذا الاتفاق على مدى فرن تقريبا بان مؤامرة خطيرة رمت الى تقاسم النفوذ الاستعماري في بلادنا وتحطيم آمالها بالوحدة.
/// على المشرحة
عام 1916 جلس سايكس وبيكو في القاهرة مع مراقب روسي وباشرا تقطيع اوصال بلاد الشام والعراق .. كان اجتماعا في منتهى السرية، خصوصا وان العرب في ذلك الوقت كانوا قد بدأوا التمرد على الدولة العثمانية التي شبهت بالدولة المريضة .. لكن تلك الجلسة وما نتج عنها لم تظل طي الكتمان، فما ان قامت الثورة البولشيفية في روسيا عام 1917حتى سرب الروس تلك الوثيقة الخطيرة الى الاعلام التي كان قد تبعها وثيقة اخطر منها ايضا وهي استكمال للمفهوم الاستعماري الذي تعرضت له المنطقة ولكذبة الصداقة التي قيلت في ذلك الوقت بين الدولتين الفرنسية والانكليزية مع العرب، واعني به وعد بلفور عام 1917 بإعطاء اليهود وطنا في فلسطين. ومع ذلك ظل العرب بكل اسف اوفياء للدولتين، وان كانت بعض المقاومات قد بدأت ضدهما، وخصوصا في سوريا، منها ثورة جبل العرب بقيادة باشا الاطرش ثم ثورة صالح العلي في الساحل وكذلك ثورة ابراهيم هنانو.
احتفظت بريطانيا وفرنسا بحرية التلاعب بحدود الدول المستحدثة آنذاك، فوحدت فرنسا سوريا ثم فسمتها الى ثلاث دويلات ثم اعادت توحيدها، وتنازلت عن قسم من اراضيها لتركيا وهي لواء اسكندورن الذي لن تزول ذكراه من النفوس ومن التاريخ ومن ألم الجغرافيا، كما أنشأت لبنان الكبير ثم أرتأت تصغير حدوده للحفاظ على الارجحية المسيحية فيه.
كل ذلك جرى تحت عنوان الشرق الاوسط الذي تم تداول اسمه دائما في محط التفكير به .. لكن هذا الاسم ليس من قبيل الصدفة ان يكون رمز التقسيم والتفتيت الجاري تداوله ، بل هو العنوان القديم لموقع تم التعارف عليه واخذ لاحقا اسماء جديدة .
فالشرق الاوسط ليس اسما بل هو فكرة قديمة تجاوزت مااعلنه شيمون بيريز عام 1991 عن مصطلح الشرق الاوسط الجديد ، وهو مختلف عما الشرق الاوسط الكبير الذي يدعو اليه المسؤولون في ادارة الرئيس الاميركي السابق جورجح بوش ... هذا القدم يعود الى بدايات القرن العشرين على المنطقة الواقعة بين الهند والجزيرة العربية، ثم تم تداوله كثيرا بعد الحرب العالمية الاولى كما تركز هذا المصطلح في وثائق التسويات الدولية التي اعقبت تلك الحرب وبخاصة تلك التي عقدت في سيفر وسان ريمو بين سنتي 1919 و1920 وبموجبها تم اقتسام المشرق العربي وثرواته النفطية بين بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الامركية. لقد ادرك الغرب منذ زمن بعيد ان الموقع الجغرافي الذي تيمتع به العالم العربي ووفرة امكاناته الاقتصادية الهائلة وثرواته النفطية، ووزنه الحضاري ، ووجود الاسلام فيه كطاقة روحية يشكل خطار على مصالحه ويحد من اطماعه لذل بذل ممجهودا كبيرا لتحجيم العالم العربي واحتواء اقطاره وابقاء عناصر التجزئة فيه والعمل على تفتيته وجعله هدفا مستمرا لمهططاته ومما ساعده على ذلك انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة وتشتيت القوى العربية واحتلال العراق .
اذ ثمة محاولات غربية بذلت لدمج منطقة الشرق الاوسط ومن ضمنها الدول العربية، في اطار اقليمي ابرزها التصريح الثلاثي قي 20 مايو 1950 والذي اصدرته اميركا وفرنسا وبريطانيا وكان الهدف من هذا التصريح ضمان امن اسرائيل وتهديد العرب اذا ماقرروا استعادة اراضيهم بالقوة .. ثم جاء انشاء حلف بغداد 1955 ليكون يمثاية التطبيق العملي لواحدة من المشاريع الهادفة لتطويق الاتحاد الشوفياتي .. واثر اخفاق العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م حاولت الولايات المتحدة ان ترث بريطانيا وفرنسا في منطقة الشرق الاوسط فخرجت في العام 1957 بمشروع اينزنهاور الذي كان يقضي بربط المنطقة بعدد من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية بدعوى مقاومة اي عدوان شيوعي سواء من الخارج او من الداخل.
/// المشرحة الاعنف
لئن كان الشرق الاوسط على هذا النحو من الاهتمام ، الا ان فكرة جهنمية دخلت اليه من بعيد من رجل بلغ من العمر اليوم 98 عاما هو برنارد لويس الذي قال في احدى المقابلات الصحافية معه: " ان العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لايمكن تحضرهم واذا تركوا لانفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية ارهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات ولذلك فان الحل السليم للتعامل معهم هو اعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاته الاجتماعية وفي حال قيام اميركا بهذ ا الدور فان عليها ان تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة لتجنب الاخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان. انه من الضروري اعادة تقسيم الاقطار العربية والاسلامية الى وحدات غشائرية وطائفية ولا داعي لمراعاة خواطرهم او التأثر بانفعالاتهم ولادود الافعال عندهم .. ويجب ان يكون شعار اميركا في ذلك، اما ان نضعهم تحت سيادتنا او ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند اعادة احتلالهم ان تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحجياة الديمقراطية .. وخلال هذا الاستعمار الجديد لامانع ان تقوم اميركا بالضغط على قيادتهم الاسلامية ، دون مجاملة ولا لين ولا هوادة ، ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الاسلامية الفاسدة ، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها قبل ان تغزو اميركا واوروبا لتدمر الحضارة فيها ".
يعتبر برنارد لويس اول الداعين الى مشروع تقسيم وتجزئة الشرق الاوسط من باكستان الى المغرب العربي حيث طرح هذا الموضوع عشية اقامة الكيان الصهيوني على ارض فلسطين عام 1948 ثم نشر هذا المستشرق الانكليزي الاصل الاميركي الجنسية دراسة في مجلة وزارة الدفاع الاميركية يقترح فيها اعادة وزيادة تفتيت العالم الاسلامي من باسكتان الى المغرب وانشاء اكثر من ثلاثين كيانا سياسيا جديدا.
بتلك الافكار الجهنمية يمكن القول ان اقتراح لويس يعني تحويل العالم العربي والاسلامي الى 88 دولة بدلا من 56 دولة، بما يعنيه هذا الطرح من انشقاقات وصراعات وحروب مستمرة .. ويقول احد الكتاب العرب، ان هذه الكيانات تزيد هذه الكيانات ضعفا على ضعفها وهزالا على هزالها .. وقد كان برنارد لويس صريحا عندما قال : ان هذا التفتيت للعالم الاسلامي هو الضمان الحقيقي لأمن اسرائيل التي ستكون الاقوى وسط هذه الفسيفساء . وفي هذا المخطط الصهيوني الذي نشرته مجلة البنتاغون فصل برنارد لويس مقترحات التفتيت الى مايلي:
ـ ضم اقليم بلوشستان الباكستاني الى مناطق البلوش المجاورة لايران واقامة دولة بلوشستان
ـ ضم الاقليم الشمالي الغربي من باكستان الى مناطق البشتونيين في افغانستان واقامة دولة بشتونستان.
ـ ضم المناطق الكردية في العراق وايران وتركيا واقامة دولة كردستان.
ـ تقسيم ايران الى اربع دويلات: ايرانستان واذربيجيان وتركمانستان وعربستان.
ـ تقسيم العراق الى ثلاث دويلات كردية وسنية وشيعية
ـ تقسيم سورية الى ثلاث دويلات درزية وعلوية وسنية،مع احتلال جزء من شمال سورية من قبل الاتراك الى جانب لواء اسكندرون.
ـ تقسيم الاردن الى كيانين: اولهما الدولة الهاشمية تمتد الى شمال السعودية وجزء من الدولة السنية في العراق، وثانيهما دولة فلسطينية ( كيان يضم الى الضفة الغربية لكي تقوم دولة فلسطين عليها اضافة الى الضفة الشرقية من البحر الميت).
ـ تقسيم السعودية الى كيانات قبلية تعيدها الى حالها قبل وحدتها عام 1922.
ـ تقسيم لبنان الى خمس دويلات: مسيحية وشيعية وسنية ودرزية وعلوية .
ـ تقسيم مصر الى دولتين على الاقل: اسلامية وقبطية.
ـ تقسيم السودان الى دولتين دولة دينية مسيحية في الجنوب ( وقد استقلت الآن) وعربية في الشمال.
ـ تقسيم المغرب بين العرب والبربر.
ـ اعادة النظر في الكيان الموريتاني على ضوء التناقضات بين العرب والزنوج والمولدين .
نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالة جاء فيها " برنارد لويس البالغ من العمر 90 عاما ( اليوم 99 ) المؤرخ الابرز لمنطقة الشرق الاوسط قدم الكثير من افكاره وعقائده الايديولوجية لحكومة بوش حول الشرق الاوسط والحرب على الارهاب بحيث يمكن اعتباره منظر سياسات الهيمنة والتسلط والتدخل الاميركية في منطقة الشرق الاوسط..
من المؤسف انه في عام 1983 صادق الكونغرس الاميركي على مشروع لويس واصدر قرارا بان يتم تطبيق خططه كم حلال سياسات اميركا الاستراتيجية في المستقبل ، كما شارك في الطرح الاستراتيجي لاحتلال العراق، ونقلت احدى الصحف آنذاك تسريبات عن تواجده مع مع بوش وديك تشيني في اعقاب اصطدام الطائرات ببرجي التجارة العالمية في 11 سبتمبر وقد طرح موضوع احتلال العراق من منظور صراع الحضارات والارهاب الاسلامي.
/// على مشرحة أخرى
ولم يكن برنارد لويس آخر من فتت العالم العربي والاسلامي بهذه الطريقة الفجة، بل هنالك ضابط اميركي سابق يدعى رالف بيترز نشر في العام 2006 مقالا بعنوان " حدود الدم " اعتبر فيه انه رغم المجموعات الاثنية والدينية في الشرق الاوسط مارست الاختلاط والتعايش والتزاوج فانه لابد من اعادة رسم الحدود لانصاف الاثنيات الموجودة .. ويذكر ان الحروب المستمرة بين العرب واليهود ليست صراعا على الوجود بل هي خلاف على الحدود وان المنطقة ستظل تعاني من الاضطراب مادامت الحدود مضطربة وغير نهائية ..
لذلك ومن اجل شرق اوسط اميركي جديد يتقدم بيترز بخارطة اميركية جديدة تلغي الحدود القائمة ويقسم الدول الحالية فتتحول الدولة الواحدة الى دويلات وتنشأ دول جديدة وتكبر دول صغيرة وتصغر دول .. الخاسر الاكبر في هذه الخارطة هي السعودية اما العراق فيتحول الى ثلاث دويلات وهناك وضع جديد لسورية التي سوف تخسر المنطقة الساحلية كلها لصالح لبنان الكبير المتوسطي الطابع مما يؤدي الى عودة الدولة الفينيقية، ولكن الجنوب الشيعي سيكون نواة الدولة الشيعية العربية التي ستمتد على معظم الخليج الفارسي، اما الاردن فانه سيحافظ على اراضيه الحالية مضافا اليها مناطق جديدة فيالسعودية اي هناك لبنان الاكبر والاردن الاكبر.
ويقترح بيترز وضع مكة والمدينة تحت سلطة دينية خاصة أسوة بالفاتيكان _ سوبر فاتيكان اسلامي، ويقترح الحاق آبار النفط السعودية الساحلية بالدولة الشيعية والحاق جنوب شرق السعودية باليمن والجزء الشمالي بالاردن، وهكذا، حسب رأيه، يكون حصر السعوديين بالرياض والمناطق المحيطة بها، وبهذه الطريقة يقول بيترز " لن تستطيع الاسرة السعودية الحاق المزيد من الاذى والشر بالاسلام والعالم". ويكمل بيترز بان الكويت ستبقى في الشرق الاوسط على حالها .. اما الامارات العربية المتحدة فسينضم بعضها الى الدولة الشيعية الجديدة التي ستكون مناوئة لايران وليست حليفة لها كما يقول بيترز .. اما دبي فستبقى كما هي ملعبا للاثرياء .. ويختم مقالته بما يلي : ان لم يحدث تصويب للحدود في الشرق الاوسط بشكل تتفق فيه هذه الحدود مع الروابط الطبيعية للدم والدين فسوف يكون هناك مزيد من سفك الدماء في المنطقة وكأ،ه يهدد بحدود دموية ان لم تنجح حدود الدم الاميركية.
وبالعودة لمقالة بيترز فقد تحدثت مجلة القوات المسلحة الاميركية بوضوح وتفصيل قبل سنوات عن خطط التقسيم، بل انها ألحقت بمقالتها خريطة الدويلات الجديدة التي سوف تظهر في العالم العربي، والتي اشارت الى ان يجب على الغرب ان يدرك ان العراق وسورية ولبنان وباقي الدول العربية مخلوقات اصطناعية وان القومية العربية هي الخطر الحقيقي على الغرب والحل يكمن في اقامة دويلات جديدة طائفية وعشائرية .
ويعرض التقرير المنشور في المجلة خرائط لمنطقة الشرق الاوسط بشكلها الحالي وخرائط للشكل الذي يتم العمل على تحقيقه، ويعتمد التقرير لتسويغ هذا المخطط على عدد كبير من الحجج الجدلية لتمرير المشروع ومنها:
اولا : ان الحدود الحالية هي حدود رسمتها كل من بريطانيا وفرنسا بشكل عشوائي في القرن التاسع عشر وهي حدود غير عادلة.
ثانيا: ان قوس الحدود الاكثر تشابكا وفوضوية في العالم يكمن في افريقيا والشرق الاسوط وان هذه الحدود تعمل على اثارة الحروب في المنقطة ولذلك يجب تغييرها واعادة رسمها لاعطاء الاقليات المذهبية او القومية والاثنية حقوقها المسلوبة.
ثالثا: الحدود المرسومة للدول ليست ثابتة على الاطلاق والعديد من الحدود من الكونغو الى القوقاز مرورا بكوسفو تتغير الآن، ومن هنا فانه لايجب التجاوب مع الحجة القائلة ان هذه الحدود لهذه الدول لايجب تغييرها لانها تعبر عن واقع موجود منذ آلاف السنين.
رابعا: ان حدود الشرق الاوسط تسبب خللا وظيفيا داخل الدولة نفسها ، وبين الدول بعضها مع بعض، خاصة من خلال الممارسات ضد الاقليات القومية والدينية والاثنية ، او بسبب التطرف الديني او القومي والمذهبي ولذلك يجب انهاء هذا الأمر.
ويدعي التقرير ان الغاية من هذا التعديل هي تحقيق عدد من الاهداف الانسانية والتي تتعلق بالعدل والديمقراطية والتوازن واهداف اخرى رئيسية.
/// خرائط موسعة
وفي حين برز برنارد لويس وبيترز في عملية التقسيم الجديد والتفيت، فان خرائط مختلفة لسايكس بيكو انطلقت من مكانين .. الاول ماجاء به الرئيس السابق للعدو الصهيوني شيمون بيريز في كتابه الجديد الشرق الاوسط الجديد، واصفا اياه بالاسلوب الجديد في التفكير للوصول الى الامن والاستقرار الذي يتطلب " منا جميعا نظاما امنيا وترتيبات اقليمية مشتركة واسعة النطاق وتحالفات سياسية لدول المنطقة ككل " .
وتحدث في الكتاب عن فشل الحروب واهمية السلام ، وبرر باسلوب ماكر الحروب التي خاضوها فقط لضمان الامن والاستقرار ولم يكن يوما بالشعب الذي يرغب بالتحكم بالاخرين .. يقول بيريز في كتابه " مشروع محكم يفرض علينا سوقا شرق اوسطيا سوقا لاهوية له ، لايعرف الزمان او التاريخ ، سوقا مكتفيا بذاته ، ولكنه ليس عربيا او اسلاميا وانما ينتمي الى مكان دون زمان او تاريخ ، وهذا المكان هو الشرق الاوسط وعلاقة الدول في الشرق اوسطية علاقة تعاقدية " .. وعبر عن ذلك بيريز صراحة بقوله " ان عظمة اسرائيل تكمن في عظمة اسواقها " . ويعلق احد الدارسين العرب على هذا المشروع بقوله " هذا في الظاهر ، اما في الباطن فهو شرق اوسط مفكك على اسس عرقية وطائفية ومذهبية يشتبك الجميع فيه مع بعضهم البعض بينما يتصالحون جميعا وربما يتحالفون ايضا مع الدولة العبرية .. استراتيجية يهودية جديدة لضرورة استمرارية الهيمنة على المنطقة وان اختلفت الوسيلة وتغيرت من دبابة وقذائف الى بضاعة متقنة الانتاج " .
ولكي يتحقق لليهود الشرق الاوسط الجديد لابد من تجزئة التجزئة واحداث تغييرات جوهرية في المنطقة، تحقق الامن للكيان اليهودي وتعيدرسم هريطة المنطقة بسايكس بيكو جديد وهو مايطلق عليه تجزئة التجزة .. اذ كان لابد من تقسيم المنطقة على اساس طوائف واجناس واعراق واصول قومية ومذهبية واعادة صياغتها باعتبارها فسيفساء من اقليات كما هو حال العراق، على ان يستمر بينها صراع معقول يمكن التجكم فيه من قبل القوى المهيمنة في المنطقة.
ثمة مشروع آخر تزعمته هذه المرة الولايات المتحدة الاميركية ووضعت له اسما فدعي بالشرق الاوسط الكبير، وجاء في تقريره الخاص الى انه يعرف منطقته بانها تلك المنطقة التي تضم كلا من العالم العربي واسرائيل وتركيا وآسيا الوسطى والقوقاز ومنطقة شبه القارة الهندية، وتمثل هذه المنطقة كما جاء في التقرير اكبر مستودع للطاقة في العالم . كما انها المنطقة الوحيدة في العالم الذي تتجه الولايات المتحدة اليها لتوسيع نطاق انتشارها العسكري وذلك منذ نهاية الحرب الباردة. وفي العاشر من يوليو 2002 قدمت مؤسسة راند للدراست تقريرا خصصته لدراسة الاوضاع في المنطقة العربية ويخلص التقرير الى ان : ـ العراق هو المحور التكتيكي .. والسعودية هي المحور الاستراتيجي .. ومصر هي الجائزة. وينقل فاروق البربير ماجاء عن هذا التقرير من اوضاع العالم العربي فيقول انه:
ـ لامكان في العالم العربي للاجتماع او التجمع ولا مساحة شعبية عامة للقاء من اجل تبادل الافكار ومناقشة المصالح والسياسات.
ـ ان المجموعة القبلية القامئة على السلطة تسد كل الدروب الى التغيير وتقمع كل الداعين اليه والمدافعين عنه.
ـ ان التآمر، الشغب، القتل، والانقلابات هي الطريق الوحيد المتوافر عمليا في المنطقة لاحداث تغيير سياسي.
ـ في العالم العربي العنف ليس استمرار للسياسة باساليب اخرى، بل العنف هو السياسة والسياسة هي العنف.
ـ ان الارهاب كأسلوب مقبول وشرعي لممارسة العمل السياسي بات مسألة سائدة طيلة الاعوام الثلاثين الماضية.
ويرى التقرير حول ماانتج العالم العربي مايلي:
ـ الدول العربية كلها اما فاشلة او دول مهددة بالفشل.
ـ ان التوترات بين العالم العربي والعالم الحديث بلغت ذورتها.
ـ ان مشكلات العالم العربي هي مشكلات مصنوعة محليا تهيمن عليه وتمنع عمليا تأقلمه مع الخارج.
ـ ان ازمة العالم العربي نتيجة ذلك كله، تتعرض للتصدير الى بقية العالم.
في شهر سبتمبر عام 2002 اعلت كوندوليزا رايس مستشارة الامن القومي الاميركي آنذاك، بان الولايات المتحدة " تريد تحرير العالم الاسلامي ونشر الاسلوب الديمقراطي في ربوعه اولا وثانيا تريد تغيير الانظمة السياسية العربية" من هذا ا بدأ الحديث في اميركا وفي ضوء تداعيات احداث 11 سبتمبر يتجه نحو مطالبة الدول العربية والاسلامية بتغيير وتعديل المناهج الدراسية بحيث لاتتعارض مع القيم والمفاهيم التي تنطوي عليها الثقافة الاميركية والغربية.
وابرز موقف لكوندوليزا رايس جاء عام 2006ابان الحرب الاسرائيلية على لبنان، فحين وطأت اقدامها اثناء الحرب مباشرة وعلى ارض مطار بيروت وامام بعض المستقبلين المعجبين بها صرحت بانه " بدأ التغيير في الشرق الاوسط من اجل اقامة الشرق الاوسط الكبير".
لكن على مايبدو فان احلام برنارد لويس وبيترز وشيمون بيريز وكوندوليزا رايس وغيرهم قد ذهبت ادراج الرياح .. لاشك ان المؤامرات على الامة العربية كبيرة وهائلة، لكنها مع ذلك تدافع عن مصيرها بكل شجاعة وصمود لامثيل لها.