رغم معارضة الفرس الإنجليز في السيطرة على هرمز، إلا أنهم لم يتحمسوا لكي يحلوا محل البرتغاليين فيها، حيث أصدره الشاه عباس أوامره بتدمير المدينة عن آخرها، وبذلك يحدد عام 1622م انتهاء دور هرمز في التاريخ، وانتهاء مجدها التجاري الذي ظلت تتمتع به عدة قرون.
وحتى في ظل السيطرة البرتغالية كانت هرمز تقوم بدور كبير في المجال التجاري، حتى كانت تجارتها تساوى تجارة لندن وأمستردام مجتمعتين، كما حرص البرتغاليون بعد استقرارهم في هرمز أن يشيدوا بها المباني العظيمة التي كانت كل أبوابها ونوافذها مطلية بالذهب، بل ولم يستبعد البعض أن يستغل البرتغاليون الذهب والفضة في انشاء المباني ونوافذها بدلاً من الحديد والحجارة، فيما لو أطالوا إقامتهم بتلك الجزيرة، وذلك بسبب الأرباح الهائلة التي كانوا يحصلون عليها عن طريق التجارة من السواحل الفارسية والهند وأوروبا.
ولم يعد في هرمز سوى أطلال قلعتها البرتغالية القديمة. وقد ذكر السير توماس هربرت الذي زار هرمز في عام 1627م، وكان شاهد عيان على تدهورها أن المدينة جردت من كل جمالها وازدهارها، بعد أن عمد الفرس إلى اقتلاع الأحجار ونقلها إلى جمبرون التي لا تبعد عنها بأكثر من ثلاثة فراسخ، وأصبحت هرمز مكاناً متواضعاً لا يستحق أن يمتلكه أحد.
ولما كان الشاه عباس قد سمح لشركة الهند الشرقية الإنجليزية بتشييد مبنيين في المدينة الجديدة، فقد وجد الإنجليز في بندر عباس ما يتيح لهم نقل تجارتهم إلى فارس بطريقة أسهل من جاسك، ولذلك بادروا بنقل وكالتهم إليها، وظلت بندر عباس على امتداد قرن ونصف قرن مركز الثقل الرئيسي لشركة الهند الشرقية الإنجليزية على سياح الخليج، ومنها أخذ الإنجليز يسيطرون على تجارة الخليج، وامتد ذلك إلى مراقبهم لأوضاعه السياسية، مستفيدين في ذلك من التقارب الذي حدث بينهم وبين الفرس.
وحاول الشاه تتبع البرتغاليين على السواحل الغربية للخليج العربي في مسقط وصحار وخورفكان، إلا أن الجهود الفارسية باءت بالفشل، بعد أن تمكن أندرادي قائد القلاع البرتغالية في مسقط، وكان اسمه مرهوباً في المنطقة أن يعيد للبرتغاليين ما فقدوه من قلاع في تلك المناطق. وهكذا عوض البرتغاليون خسارتهم في هرمز حين اتخذوا من مسقط على الجانب الآخر من الخليج مسرحاً لعملياتهم، ولعل أبرز ما نلاحظه بصدد ذلك حين قام الإمام اليعربي ناصر بن مرشد، بعد أن بويع بالإمامة في عمان سنة 1622م بجهود موفقة للقضاء على السيطرة البرتغالية، كما تمكن خلفاؤه من بعده من القضاء على النفوذ البرتغالي في الخليج العربي وشرق إفريقيا، وأن يظهروا إلى الوجود أكبر دولة بحرية شراعية ظهرت في تاريخ العرب الحديث.
وهكذا تزامن سقوط هرمز مع قيام أسرة جديدة تولت أعباء الحكم في عمان، ونأت بنفسها عن أية تبعية فارسية أو برتغالية، وهي أسرة اليعاربة التي استمرت قائمة بالحكم منذ ذلك الوقت حتى سقوطها في عام 1741م، حيث خلفتها أسرة جديدة وهي أسرة الآلبوسعيد، التي لا تزال تحكم في سلطنة عمان حتى وقتنا الحاضر.
وقدر للإمام ناصر بن مرشد مؤسس أسرة اليعاربة أن يخوض صراعاً مريراً ضد الفرس والبرتغاليين. وقد بدأ صراعه ضد الفرس، حين اغتنم فرصة سقوط حصن البرتغاليين في هرمز، فقام بالقضاء على ما كان للمملكة هرمز من سيادة على صحار، كما نجح في تخليص جلفار (رأس الخيمة)، وكان يحصنها قوة فارسية، نجح الإمام في حصارها وإجبارها على التسليم، ووقف موقفاً منيعاً إمام الفرس الذين حاولوا أن يرثوا البرتغاليين أو مملكة هرمز في سيطرتهم على المواقع العمانية الأخرى.
وعلى أثر سقوط مسقط في عام 1649م، استقر المقام بالبرتغاليين في ميناء كنج الصغير الذي يقع على الساحل الشرقي في الخليج، إلى أن دمر العمانيون معقل البرتغاليين فيه خلال اشتداد صراعهم معهم في نهاية القرن السابع عشر عام 1695م.
ومما لا شك فيه أن سقوط قلاع البرتغاليين الحصينة في مسقط، كانت بمثابة مذلة كبيرة ألحقت بالبرتغاليين. وبسقوط هرمز في عام 1622م، ومسقط في عام 1649م، ضاع من القاب ملك البرتغال لقبان مهمان، وهما وسيد الفتح والتجارة والملاحة في الجزيرة العربية وفارص" وذلك من بين الألقاب العديدة التي كان ملوك البرتغال قد أطلقوها على أنفسهم، منذ حركة الكشوف البحرية البرتغالية الكبرى.
وقد استمرت العمليات العمانية ضد البرتغاليين حتى السنوات الأولى من القرن الثامن عشر، وشملت جميع المراكز البرتغالية المتبقية لهم في الخليج، كما تعقب العمانيون البرتغاليين في مراكزهم في سواحل الهند، وفي خلال هذه الفترة أخذت إمامة عمان تتحول إلى أكبر قوة بحرية محلية في بحار الشرق، مما مكنها من طرد البرتغاليين من قواعدهم شرق إفريقيا، حيث سقطت كل من كلوة وزنجبار وممباسا، وكادت تسقط موزمبيق ذاتها، وبدأ اليعاربة يرسون أساس حكم عماني في شرق إفريقيا، وهو الأساس الذي سيرتكز عليه فيما بعد السيد سعيد بن سلطان (1806 – 1856م) لكي يبرز إلى الوجود أولة دولة آسيوية إفريقية ظهرت في التاريخ الحديث.
وقد حفظت لنا بعض المصادر التاريخية عدة رسائل، تبودلت بين الإمام سيف بن سلطان وبين البرتغاليين، كانت تتضمن الكثير من التحدى السافر والتعصب الديني البالغ، ورغم التهديدات العنيفة التي وجهها البرتغاليون إلى الإمام سيف، إلا أنه كان على استعداد كبير المواجهة معه، وقد يكون من المفيد أن نشر في هذا المجال إلى بعض المقتطفات التي نقلناها من تلك الرسائل التي يذكر البرتغاليون في أحداها:

"إننا جنود الله مخلوقون من سحطه مسلطون على من يحل عليه غضبه قد نزع الله الرحمة من قلوبنا فالويل كل الويل لمن لا يمتثل لأمرنا، قلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال..".

وجاء في رد الإمام سيف:

"ما جاء بكتابكم من أن الرحمة قد انتزعت من قلوبكم فهذا من أقبح عيوبكم وقولكم قلوبكم كالجبال وعددكم كالرمال فدعني أقول لكم أن الجزار لا يبالي بكثرة الغنم والماعز وإن الله مع الصابرين…".
ومما يذكر أن القبطان الفرنسي شارل جيان (Guillain) نقل هذه الرسائل وأوردها مترجمة إلى الفرنسية، في حين نجد أصولها العربية في كتاب السالمي الذي يبدو أنه نقلها كما فعل جيان عن بعض المخطوطات العمانية القديمة.
وعلى الرغم من الدور الكبير الذي قام به اليعاربة للتخلص من السيطرة البرتغالية، إلا أن نجاحهم كان يرتبط إلى حد كبير بتقديرهم أهمية الاستفادة من المنافسة الدولية في بحار الشرق، ولعل ذلك كان دافعاً بهم إلى ايجاد علاقات مع بعض القوى الأوروبية التي ظهرت في الخليج العربي.

محمد بن حمد الشعيلي
اكاديمي في الجامعة العربية المفتوحة
[email protected]