فارس بن جمعة الوهيبي :
تتبارك السماء، فجاء جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم غيثا على عمان في عام سبعين وتسعمائة وألف، فهلل العمانيون "واااقابوساه"، فرد النداء، سأجعلكم سعداء، وبدأ بسم الله المسيرة الظافرة، والعمانيون بجانبه يمنة ويسرة، سائرون يبنون الوطن حجرة حجرة، بلا شقاق ولا فتن، فتوحد العمانيون على كلمة سواء "الله، الوطن، السلطان"، نافضين غبار الماضي، يكبرون "إنه زمانك يا قابوس، وكفوفنا بيدك الكريمة الحانية".

وتمنطق الرجل العسكري المتشرب بالانضباط من كلية ساندهيرست الملكية المحزم والبندقية، فرفع العمانيون "تاهية" وتحية أينما وجدوه يجول في صحاري وبراري وجبال وشطآن وطنه، يخطط بقلمهِ الخريطة من أعالي رؤوس مسندم في الشمال، ناقشا قلمه الخط وصولاً إلى جبل القمر على أرض اللبان جنوباً، وعيناه إلى السماء، لن أرحل إلا وقد أوفيت وعدي الذي قطعته أمام الله والأمة العمانية.

أكرم به وأنعم، أدار دفة الحكم باقتدار، فرفع قدر العماني وشأنه أمام الأمم، رفرفوا تعليماً وصحة ومعيشة، أكرم به وأنعم، فاض خيره لتنعم عمان بالأمن والأمان والاستقرار، بل اشرأب فكره ناضحاً بقوله "أريد أن أنظر إلى خارطة العالم ولا أجد بلدا لا تربطه علاقة صداقة بعمان"، فإنا لله راجعون، وإلى مفتاحك المعلق في بيت البركة قادمون، فسيفك الذي روض وحل ألغاز حروب وتوترات، متمسكون به كما تريد لعمان أن تكون مع العالم، يا سيد عمان، فاض خيرك.
إنا لله وإنا إليه راجعون، قبيل أذان الفجر، وأذان العمانيين تستمع وتنصت أن قابوس قد فاضت روحه إلى بارئها، ولم تصدق ولن تصدق، رحل الأب، تيتمت عمان وبكى ترابها الطاهر، وتباكت الأفئدة والقلوب في كل بيوتات عمان.

إنا لله وإنا إليه راجعون، جنازة المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ تخرج من بيت البركة للمرة الأخيرة، والموكب العسكري يمر أمام أبناء قابوس، وهم بلا قوة ولا حيلة، يتباكون وتعالت الصرخات "رحمك الله يا أبتِ رحمك الله"، فتدافعت الأفواج، لتلقي نظرة الوداع وصلاة الميت، ونفروا يحملون نعشه على الأكتاف سراعاً، وهم للحق كارهون، ليشيع إلى مثواه، في مركبته التي جاء بها إلى الوطن سلطانا، ويمتطيها مرة أخرى وهو سلطان، ليوارى الثرى، وهو يخاطب أبناءه وهو في ذمة الله، " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"، رحل ابن سعيد، رحل قابوس العمانيين، إنا لله وإنا إليه راجعون.

* إعلامي عماني