[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]يظل حضور المصداقية في المنهج السياسي لسلطنة عمان واحدا من أهم مسارات هذه السياسة ومعيارها المتقدم الذي لم تساوم عليه، رغم حجم الضغوط الكثيرة التي تعرضت لها بهدف دفعها إلى خصومات من شأنها أن تضع البلاد على طرق الاصطفاف في محاور محكومة بتهديد السلم، وتفكيك فرص المصالح المشتركة، وإشاعة نزعات التغالب وليس التنافس التضامني المشروع الذي هو أساس العلاقات الدولية الصحيحة.
لقد اختطت السلطنة منهجا سياسيا ودبلوماسيا على درجة من الانضباط الأخلاقي، وحصافة الموقف دون أن تقع ولا مرة واحدة تحت إغراء المكاسب الآنية، أو التنافق أحد الأمراض السياسية الشائعة التي تتحمل بعض المسؤولية في انهيار أجزاء واعدة من منظومات العمل الإقليمي المشترك، كانت لو شرعت بالتواصل لكان الواقع غير ما هو الآن من تشظٍّ وخصومات وضياعات تنمية ومتاهات أمنية. ولي أن أشير أيضا إلى أن مسقط بذلت جهودا مضنية حقا لإقناع أطراف إقليمية ودولية باحترام منهجها هذا، لأهميته في تحصين فرص السلام والأمن والتنمية المستدامة، وإقامة شراكات مشروعة تقوم على تفكيك الضغائن، ونبذ الأحقاد وإشاعة قيم التسامح.
إن رصيد مفهوم المصداقية لدى سلطنة عمان يستند أصلا إلى روح تاريخية عريقة ومنظور جيوسياسي، وفهم عميق للمقاصد النبيلة التي تصدرت ميثاق الأمم المتحدة، بل وخلاصات قراءة ذكية في العلاقات الإقليمية والدولية، خصوصا وأن موقعها الإقليمي والقاري قد منحها هذه الفرصة المعيارية الوازنة بامتياز في إطلالتها على ثلاثة منافذ بحرية شكلت جسورا للتواصل بين ثلاث قارات هي آسيا وإفريقيا وأوروبا، وهذه بحق ميزة لوجستية صانها ويصونها العمانيون بكل جدارة وحنكة، وبذلك كانت السلطنة محط جهات تقطعت بها سبل البحث عن حلول للأزمات التي تعصف بينها، فوجدت بالاستعدادات العمانية ما يعينها على تلمس رؤية إنقاذية تعيد المياه السياسية إلى مجاريها الطبيعة مثلما ظلت الموانئ العمانية حاضنة أمينة للسفن تتزود منها بالاطمئنان من أجل معاودة الإبحار مجددا.
إن مجال الحكمة العمانية ليست محط شك، كما أنها ليست نفعية أو تنتظر رسوما وفؤائد فهناك قائمة طويلة من اختبارات هذه الحكمة، ليس أقلها الرؤية العمانية في التعاطي مع أزمات صنعتها جهات ذات نفوذ للكسب غير المشروع وعروض القوة الغاشمة.
لقد كانت المساهمة العمانية جزءا ميسرا في استرداد العالم لأنفاسه الطبيعية بولادة الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني عام 2015، وتتمثل الحكمة العمانية أيضا في الوسطية الوازنة التي تحكم التعاطي مع أكثر من أزمة عصفت ببلدان عربية، بل وعصفت بمفاهيم علاقات وفرص تسويات والشواهد على ذلك إزاء الأزمات التي ضربت مصر والعراق وسوريا واليمن وليبيا، وكيف تحرص على أمن الخليج من منظور إقليمي تضامني للدول المتشاطئة على مياهه.
إن الرؤية السياسية العمانية المستندة إلى عدم التدخل في شؤون الآخرين لا تقوم على الانعزال والانقطاع عما يجري في المحيط الإقليمي، وإنما توظيف الجهد الممكن لتحقيق التعايش السلمي والتقريب بين المتخاصمين تجاوزا لسياسة المصالح الضيقة، وهو توجه نال إشادات من الأمانة العامة للأمم المتحدة ومن جامعة الدول العربية.
الحال أن حضارية السلوك العماني قد أضفى على السياسة الخارجية للبلاد المزيد من الثقة بموجبات الحرص على السلام ومهارة الكتمان المشروع، وليس السرية المبطنة، مما جعل السلطنة قوة جذب للذين يفتشون عن حلول للأزمات التي تورطوا فيها، أو أن هناك من ورطهم بها.