[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/aliaklahersan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي عقلة عرسان[/author]


أَن ينتقلَ الحكمُ في أسرةٍ عربيةٍ حاكمة مالكة، من ملك إلى ملك، أو من سلطان إلى سلطان، أو من أمير إلى أمير.. من دون أن يكون المُمَلَّكُ الجديد وليَّ عهدٍ أو ابن ملكٍ أو سلطان، وأن يُنْجَزَ ذلك بسرعة وسلاسة ووفاق واتفاق، ومن دون مشاحنات وحساسيات وعقابيل وخفايا تفعل فعلها في الأنفس.. لأمرٌ يستحق الوقوف عنده بإمعان، وذكره باستحسان، ويصلُح لأن يُقتدى به في مثل تلك الأَحوال، وأن يسجّل بادرة طيبة لأصحابه.. وهذا ما حصل في عُمان، بعد وفاة السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله ـ الذي حكمَ خمسين سنة قدَّم فيها لعُمان ولشعبها الكثير ونقله نقلة نوعية بين ماضٍ صعب وحاضر أفضل، ولم يكن له ابن وريث، ولا مَنْ اختاره أو أختير وليا للعهد من بعده.
وحيث إن المُلك أو السلطان ينحصر في أسرة تركي بن سعيد ومن ثم في آل "سعيد"، فقد آل أمر السلطنة واختيار السلاطين إلى الأسرة الحاكمة، فهي صاحبة القرار في اختيار سلطان يخلف السلطان خلال ثلاثة أيام من إعلان الوفاة أو خلو عرش السلطَنة لسبب من الأسباب، وذلك وفق أحكام النظام الأساسي للدولة، وفي النظام الأساسي أنه إذا لم يتفق أفراد الأسرة على شخص من بينهم خلال تلك المدة يؤخَذ بوصية السلطان المُتوفّى، إن هو ترك وصية بتسمية خلفٍ له.. وهذا ما كان إذ قرَّرت الأسرة الحاكمة أن تأخذ بوصية السلطان قابوس إذا كان قد أوصى بمَن يخلفه، احتراما له ولتاريخه.. وهكذا آل أمر السلطنة للسلطان هيثم بن طارق ابن عَمّ السلطان قابوس الذي أوصى به خلفا له في وصيته.
لقد تقدَّمت عُمان في مجالاتٍ اقتصادية واجتماعية وثقافية، تقدما كبيرا جدا خلال نصف قرن من حكم السلطان الراحل، شابت بعض سنواته الأولى أزمات وضائقات، وعانى الناس فيها من فقر وتمزُّق وحرب في ظفار، وكان أن رُفِعَ بوجه ذلك الواقع شعار "عفا الله عَمَّا مضى"، واتُّبعت سياسة داخلية عادت على الشعب بالأمن والوفاق والخير، ونهضت بالبلاد نهضة ملحوظة في كل المجالات، نهضة قدرها العمانيون، وهم أهل الديار وأهل الرأي والحكم في أمورهم وفي ديارهم، وسجلوا بالعرفان ما قدّمه السلطان الراحل لهم..
وقد اختارت السلطنة سياسة خارجية متمايزة عن سياسات غيرها من دول مجلس التعاون الخليجي الذي هي عضو فيه، ومتمايزة أيضا عن سياسة غيرها مِن الدول العربية ودول المنطقة، واتَّبعت نهجا خاصا انتهجه سلطانُها الراحل ورسَّخه.. وكان لتلك السياسة الخارجية ما لها وما عليها بنظر دول وملوك وأمراء ورؤساء.. وكلٌّ له ما له وعليه ما عليه، ولا تكون العصمة إلَّا لنبي، كما هو مسلَّم به عندنا.
وإننا إذ نُعزّي الشعبَ العُمانيّ الشّقيق العزيز بفقيده السلطان قابوس بن سعيد، ونسأل الله لذلك الفقيد الكبير المغفرةَ والرَّحمة، نتطلع مع العُمانيين إلى مستقبل يستمرّ فيه الازدهار والاستثمار في الطبيعة والعلم والإنسان، حيث تَعلو عُمان أكثر فأكثر، ويسعَد العُمانيون وينهضون بكل بقعة من أرض عُمان، ونتطلع معهم إلى استمرار أداء سياسي إداري واجتماعي، تنموي ومعرفي جيد جاد متجدد، قويم سليم مفيد، يشمل الصُّعُدَ جميعا.. أداء متميز تقوده وتشرف عليه وتُجَدِّيه قيادة سلطان البلاد هيثم بن طارق الذي نتمنى له التوفيق، وتنفّذه باقتدار ومهارة واصطبار وإبداع السواعدُ والطاقاتُ العُمانية، حيث يرتفع الأداء بالوطن والشعب والقيم، ويحقق مزيدا من الاستقرار والازدهار والأمن "من جوعٍ وخوف" للناس كافة في عُمان، ويعود بالخير كلّ الخير على العُمانيين والوافدين وعلى الأمة العربية إن شاء الله.. كما نتطلع من موقعنا كعرب أشقاء وشركاء في السَّراء والضَّراء، في الوجود والمصير.. وكأبناء أمة واحدة نعيش واقعنا ونعاني من جراء ما أصاب أمتنا وما يصيبها من أزمات وحروب وكوارث وانتكاسات من جراء سياسات وعدوان وممارسات.. نتطلَّعُ إلى أداءٍ سياسي متميز في إطار التّمايز، وإلى نهج سلطاني عُمانيّ يضع عُمان وشعبَها وقدراتِها ومهاراتِها وخبراتِها في صلب المكانة العربية التي تليق بها "انتسابا واكتسابا" وانتماء لأمتها العربية وللعالم الإسلامي الذين هي جزءٌ عضويٌّ منهما وفيهما، وإلى أن يزيد الله هذا البلد العربي العزيز عَطاء ينفَع الأمتين العربية والإسلامية ويعود عليهما وعلى قضاياهما العادلة وعلى العالم بالخير واليمن والبرَكة..
والله مِن وراء القصد، وهو وحده سبحانه وليُّ الأمرِ والتدبير.