600 وثيقة خاصة من شواهد الحضارة العمانية في الجمعية العمانية للفنون التشكيلية
سالم المعشني : المعرض دقيق في تفاصيله ويرصد الوثائق المهمة في الذاكرة الوطنية
حمد الضوياني : سجلت الوثائق أحداثاً وإنجازات تظل تراثاً إنسانياً خالداً يدل بوضوح على عراقة عمان وعمق جذورها في الحضارة والثقافة الإنسانية
عبدالله الحارثي : الأدراج الخشبية، والصناديق الحديدية، والجدران الطينية أخشى أن يتم التفريط فيها عن إهمال او جهل !!

متابعة ـ فيصل بن سعيد العلوي : تصوير ـ عيسى الرئيسي :
إدراكاً لأهمية الوثائق في رصد وحفظ تاريخ وحضارة الأمم والشعوب يأتي المعرض الوثائقي الخامس هذا العام متخصصا في "الوثائق الخاصة" التي بادر المواطنون بتسجيلها في هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية حيث ضمت ما يزيد عن 600 وثيقة خاصة ، تأكيدا على أهمية الوثيقة التي يبادر المجتمع بتسجيلها ومكانتها الحضارية ، لتكون رصيدا وثائقيا مهما يشكل جزءا من الذاكرة الحية للوطن ،حيث يأتي المعرض وحفل تكريم الدفعة الخامسة من المواطنين المبادرين بتسجيل وثائقهم الخاصة والمقام امس تحت رعاية معالي الشيخ سالم بن مستهيل المعشني المستشار بديوان البلاط السلطاني ليؤكد دوره في هذا الإنجاز والدور الحيوي للهيئة وما تقوم به من مهام تبين من خلاله الغرض الذي أنشئت من أجله، كما أن إقامة المعرض يتيح للباحثين والدارسين الأكاديميين الاطلاع على الموروث والمخزون الوثائقي لدى الهيئة ، ويبين دور الهيئة في التواصل مع أفراد المجتمع وخاصة مالكي وحائزي الوثائق الخاصة.
وعبر معالي الشيخ سالم بن مستهيل المعشني المستشار بديوان البلاط السلطاني عن سعادته بهذا المعرض حيث قال : سعدنا بهذا المعرض وهذا العمل المشكور الذي تقوم به هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية فهو عمل عظيم ومهم لرصد وحفظ الذاكرة الوطنية ونحن نشد على ايديهم ونشكرهم ونشكر جميع المواطنين المبادرين لتقديم وثائقهم ونتمنى من الآخرين كذلك تقديم وثائقهم ومنحها للهيئة لتوثيقها وترميمها وحفظها
وأضاف "معاليه" : المعرض جميل ودقيق في رصد كل هذه الاحداث والوثائق وتقديمها امام العامة بهذا الشكل الجيد ، ونتمنى توثيق هذا الموروث المهم بشكل أكبر لكي يتاح للأجيال القادمة والباحثين للأطلاع على تاريخ هذا البلد وذاكرته الوطنية.
المعرض الذي افتتح امس بالجمعية العمانية للفنون التشكيلية يستمر حتى السادس من نوفمبر الجاري ، حيث بدأ الحفل بآيات من الذكر الحكيم ، قدم بعدها سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية كلمة قال فيها "يأتي تنظيم هذا المعرض إدراكاً منا بأهمية الوثائق في رصد وحفظ تاريخ وحضارة الأمم والشعوب، وتمكيناً من معرفة نظمها السياسية والاقتصادية والثقافية ونمط الحياة الاجتماعية، فعمان بلد يدل تراثه على عراقة الماضي وأصالة الحاضر، ونظرة عمل للمستقبل، لما للمعارف والخبرات والتجارب من إسهام في تطور المعرفة والاستفادة من نتاج معطيات وإنجازات فكر الإنسان العماني عبر العصور والأزمنة، فقد دلت الوثائق تسجيل حركة حياة الإنسان العماني، وقصة كفاحه، وبناء معالم حضارته، وكان ومازال محل فخر واعتزاز وشرف لانتمائه بالوطن وتعزيز هويته الشخصية المتميزة وتحديد أهدافه وتطلعاته وإنه يتوجب قراءة الإرث الوثائقي المتراكم الذي تزخر به عمان والذي يتجلى في تراث أمة كان لها فضل في إحياء كثير من الفكر والثقافة والعلوم، وقد سجلت الوثائق أحداثاً وإنجازات تظل تراثاً إنسانياً خالداً يدل بوضوح على عراقة عمان وعمق جذورها في الحضارة والثقافة الإنسانية، فالدلالات التاريخية شاهدة على عظمة عمان واعتزازنا بها وأهلها الذين نقرأ تاريخهم وإنجازاتهم وعلاقاتهم وترابطهم في مجتمع تسوده النظرة الشاملة نحو وطن حافظوا على كيانه وصانوا أمنه وأمّنوا استقراره، ولهذا نرى ما خلد من مجد عظيم وإنجاز ضخم غني بالمعالم الحضارية، وهو ما يؤكد قيمة التراث الوثائقي الذي يكشف لنا عن المجتمع وازدهاره ورقيه وتفتحه العلمي ونضجه الثقافي عبر العهود المتعاقبة على أرض سلطنة عمان .
وأضاف "الضوياني" : نتوجه بكلمة إجلال وتقدير للمواطنين الكرام الذين بادروا بتسجيل وثائقهم لدى الهيئة التي تعمل جاهدة نحو نشر الوعي والتواصل الدائم مع مالكي وحائزي الوثائق وتشجيعهم في حفظ ذاكرتهم الوطنية لما تشكله من أهمية لتاريخ بلدنا العزيز، فكان التجاوب والإقبال يتزايد عاماً بعد عام.

كلمة مالكي الوثائق الخاصة
بعدها قدم الشيخ عبدالله بن أحمد بن سعيد الحارثي كلمة نيابة عن مالكي وحائزي الوثائق الخاصة تحدث فيها عن أهمية تسجيل الوثائق الخاصة وعن القيمة التاريخية للوثائق المتجمعة لدى أفراد المجتمع حيث قال " لكل بلد عريق تاريخ يسجل أيامه الخالدة، وحضارة تقوم على أسس صامدة، ومجد سطرته البطولات الماجدة، وعمان بحمدالله إحدى أعرق البلدان في العالم، تاريخها يمتد بعيدًا عبر الدهور والعصور، كما يمتد عبر الأقطار والقارات، وعمان اليوم تتفيأ ظلال العز والمجد الذي ورثته عبر الأجيال، وحفظته لها صخور الجبال وأحضان الرمال ... عز ومجد دونته لنا السطور في المخطوطات والمحفوظات التليدة، وأثبتته السجلات والوثائق الأكيدة.
وأضاف "الحارثي": دأبت (هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية) بصورة دورية في الكشف عن أغلب ما تم العثور عليه من تلك السجلات والوثائق، لتكون في متناول يد الباحثين والدارسين، ويأتي معرضها السنوي هذا، في إطار جهودها لمزيد من التواصل مع الجمهور، وعرضها الجديد والمفيد من تلك الوثائق والمخطوطات، وتشكل مساهمة وتفاعل أصحاب الوثائق الخاصة رافدًا مهمًا من روافد هذا المعرض، بعد أن نالت حقها من الترميم والتوثيق.
وقال عبدالله الحارثي في ختام كلمته "إنني أعتقد جازمًا بأن الأدراج الخشبية، والصناديق الحديدية، والجدران الطينية، لازالت تحتفظ بالكثير مما يمكن الكشف عنه، لطلاب العلم والباحثين عن المعرفة، وأخشى أن يتم التفريط فيها عن جهل بمضمونها، أو إهمال غير مقصود، أو حفظ غير آمن عليها، فنحن بحاجة إلى التعريف بالوثائق الخاصة، ولا بأنواعها خصوصًا تلك التي تهم الصالح العام، وتحفظ ذاكرة الأمة، وتشكل مرجعًا تاريخيًا وثقافيًا لهذا البلد، في علم الفقه والفلك والطب والأنساب والأدب وغيرها".

الشعر والتكريم
بعدها قدم الشاعر خميس بن مسعود النعماني فقرة من الشعر الشعبي حيث قدم أبيات منوعة ما بين شعر المسبع والميدان والدان دان، حيث لامست كلماته اسماع الحضور بجمالية ابياتها وحسن إلقائها، حيث تحدث عبر تلك الفنون في أهمية الحفاظ على الموروث التاريخي الأصيل، ودور هيئة الوثائق في ذلك، وذكرت بعض الأبيات انجازات النهضة المباركة في ظل القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه ورعاه ـ ، كما قدم عزان بن خميس الصبحي قصيدة فصيحة بعنوان "صدى الأمجاد" تحكي المجد الذي تسطره الهيئة ودورها الهام في الحفاظ على الإرث الحضاري لعمان.
بعدها قام معالي الشيخ سالم بن مستهيل المعشني المستشار بديوان البلاط السلطاني بتكريم المواطنين المبادرين بتسجيل وثائقهم لدى الهيئة، كما تم تكريم المشاركين في الحفل والمؤسسات المتعاونة مع الهيئة التي ساهمت في انجاح الحفل .

المعرض ومحتوياته
بعدها افتتح معالي الشيخ سالم بن مستهيل المعشني المستشار بديوان البلاط السلطاني المعرض الوثائقي الخامس حيث تجول في جميع جوانبه واستمع الى شرح مفصل حول محتوياته حيث صمم المعرض بزخرفة اسلامية تدلل على استخدام العمانيين للزخرفة الإسلامية تاريخيا، وكذلك شعار السلطنة الذي يمثل انتماء الهيئة وما تضمه من وثائق عمانية.
ويحتوي المعرض الوثائقي على ما يزيد عن ستمائة وثيقة تاريخية نادرة بالإضافة إلى الخرائط والمخطوطات التاريخية والعملات والطوابع، وكلها تعد وثائق خاصة بادر المجتمع بتسجيلها، وهي الوثائق السلطانية: وتشمل المراسلات السلطانية من السلطان إلى المواطنين أو من المواطن إلى السلطان، في مختلف المجالات، فنجد مراسلات من بعض شيوخ القبائل، بالإضافة إلى مراسلات من بعض الأعيان الذين تقلدوا مناصب مختلفة في البلاد، كرئيس الولاة وناظر الشؤون الداخلية، وبعض الولاة والقضاة، يطلبون رأي السلطان في أمر ما كالفصل بين متخاصمين وإجراء صلح بين أشخاص. أو بعض مراسلات التهاني بالأعياد (عيد الأضحى وعيد الفطر) مثال: رسالة من السلطان سعيد بن تيمور إلى أحد المشايخ يشكره على رسالته المهنئة بعيد الأضحى المبارك 15/1/1385هـ -16/5/1965م. وثائق الإقرارات: وتشمل على اقرارات البيع والشراء بين المواطنين والتي كانت توثق مباشرة دون الحاجة للرجوع إلى دائرة رسمية مختصة بذلك، مع وجود شاهدين أو أكثر، مثال عليه إقرار من أحد المواطنين ببيع مزرعته لمواطن آخر بمائة وستين قرش فضة 27/5/1373هـ -1/2/ 1954م.وثائق الأفلاج: وفيها كل ما يتعلق بالأفلاج كالحصص المملوكة لشخص ما في فلج ما أو أسماء الأشخاص المستأجرين لحصص الماء في فلج معين أو عدد الحصص الماء التي خلفها شخص ما في فلج، أو كل ما يتعلق بعملية صيانة الأفلاج أو البيع والشراء في حصص مياه الأفلاج مثال: بيان بحصص الماء التابعة لفلج أبو قرة بضنك 24/3/1388هـ -21/6/1968م. وثائق الميراث: وفيه كل ما يتعلق بتقسيم تركة شخص متوفى على الورثة أو الحاق بعض أمواله بأموال الوقف المعروفة في بلد ما. كوثيقة توضح تقسيم تركة بين أخوين من تركة والديهما 23/10/1387هـ -24/1/1968م. وثائق الوصايا: وتوضح كل ما يتعلق بوصية الأشخاص وما يوصون به من أموال أو مواقيف أو تخصيص بعض الحصص من أملاكهم للفقراء أو لتعليم القرآن الكريم وغيرها، ومنها وصية لمواطن 5/12/1354هـ -28/2/1936م. وثائق التهاني والتعازي: وتتناول هذه الوثائق مراسلات التهاني بالأعياد كعيد الفطر وعيد الأضحى بين المواطنين ووثائق التعازي في وفاة أشخاص مثال: رسالة تهنئة إلى أحد المشايخ بمناسبة عيد الأضحى المبارك، بتاريخ 13 ذي الحجة عام 1366هـ/28 أكتوبر عام 1947م.القصائد الشعرية: وتحتوي على قصائد المدح والثناء والرثاء والغزل بالإضافة إلى قصائد ختم القرآن الكريم أو ما يسمى (التأمينة). ومنها التأمينة كتبها مواطن عام 18/12 / 1373هـ -18/8/1954م. وثائق الفتاوي: وهي عبارة عن رسائل موجهة إلى المشائخ الذين يشهد لهم بالعلم والمعرفة على شكل فتاوى في مواضيع الزواج والطلاق والصلاة وغيرها ومن ضمنها سؤال فقهي عن الشفعة موجه للإمام محمد بن عبدالله الخليلي. بالإضافة إلى عرض بعض الوثائق الأجنبية والتي ورد ذكر عمان فيها والتي يعود بعضها إلى القرن المنصرم بالإضافة إلى بعض الخرائط التي توضح جغرافية السلطنة، وكذلك بعض القصاصات الصحفية والعملات المعدنية والورقية والطوابع البريدية.
أهمية الوثائق
تعتبر الوثيقة مصدرا من مصادر التاريخ لهذا كان من الواجب على من يمتلكها أو يحوزها أن يحافظ عليها، فضلا عن أهمية تسجيلها لدى الهيئة لتبقى مصونة من تقلبات الزمن، كما أن اطلاعها للباحثين والدارسين أمر مهم لقراءة التاريخ من خلالها كشاهد حي على الأحداث، فدراسة التاريخ من الوثائق تعد أساسها لفهمه ويساهم في تفسيره لمتتبعيه ومؤرخيه.
وتعد الوثائق المكتوبة هي المصدر الأول لأي باحث تاريخي بل هي شاهد العيان الذي ينقل تفاصيل الحدث التاريخي بزمانه ومكانه وأشخاصه وجزيئاته فالوثيقة هي تسجيل للحدث ساعة حدوثه بما يحفظ تفصيلات الموضوع ويحميها من عوامل التغيير والزيادة والنقص. كما أن الوثائق هي الركيزة الحقيقية التي يعتمد عليها الباحثون عن الحقيقة ففيها يجدون ما يؤكدون به نظرياتهم وتحليلاتهم، عن القرون الماضية وهو ما أكدت عليه الكثير من الوثائق التي حصلنا عليها. فالوثائق هي الأصول التاريخية والتاريخ يعتمد اعتماد أساسياً على الأصول لذلك إذا ضاعت الأصول ضاع التاريخ ويقصد بالأصول الآثار التي خلفها الزمن.

الوثائق الخاصة

تشكل الوثائق الخاصة جزءا أساسيا من عمل الهيئة، والتي تمثل ذاكرة للأمة والوطن ومرجعاً تاريخياً وثقافياً لهذا البلد، لذا فإن كل الوثائق الخاصة التي تحصل عليها الهيئة عن طريق الهبة أو الوصية أو الشراء تعتبر وثائق عامة، فهي تنتقل من الملكية الخاصة إلى الملكية العامة، وتعتبر مصدراً للبحث العلمي والإبداع الفكري.
وتمثل الوثيقة المكتوبة مرجعا تاريخيا وشاهدا حيا ومعتمدا وقد يكون فريدا من نوعه في الحفاظ على المعلومة والتأكيد عليها أو الانفراد بتفاصيلها أو حتى الإشارة إليها وهذا كله مما دعا هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية إلى استحداث قسم الوثائق الخاصة لأهميته الكبيرة في رفد الذاكرة الوطنية، حيث أفرد قانون الوثائق والمحفوظات الوطنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٦٠/٢٠٠٧ فصلاً خاصاً للوثائق الخاصة التي تهم الصالح العام لما لها من أهمية في الذاكرة الوطنية للبلاد.

تجدر الإشارة إلى ان الدور الذي تقوم به الهيئة في تكوين رصيد وثائقي يشكل جزءا أساسيا من الذاكرة الوطنية، ويعد بعدا تاريخيا بحثيا بما توفره الوثائق من مادة مهمة وشاهد حي يستدل به الباحثون والدارسون والمهتمون في تاريخ الوطن في بحوثهم ودراساتهم المختلفة. وتعد المعارض جزءا مهما في اطلاع هذه الوثائق للمجتمع بكل فئاته، وتسعى الهيئة إلى ابراز هذا المخزون الوثائقي الذي تزخر به السلطنة والذي يمثل مدخلا أساسيا لقراءة الحضارة والتاريخ العماني الأصيل في كل جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية والفكرية، فالمعرض الوثائقي الخامس يأتي بعد عدد من المعارض الوثائقية المحلية والدولية والتي كان لها أثر كبير في تعريف الزوار بالدور الحضاري والتاريخي للسلطنة على المستويين المحلي والدولي ، كما يأتي هذا المعرض تباعا في سنته الخامسة ليؤكد على أهمية الوثيقة وابرازها للمجتمع ودورها في تسجيل أحداث التاريخ، وتنظم الهيئة المعرض الوثائقي الخامس ليكون استمرارا للنجاح المنجز وليستفيد منه الباحثون والدارسون والمهتمون من المخزون المتجمع لدى الهيئة، وانطلاقا من الرسالة السامية التي تسعى الهيئة إلى تحقيقها في المجتمع.