- جريدة الوطن - https://alwatan.com -

رحاب : الإيجابية

يظن بعض الناس أن الإيجابية هي انفصال عن الواقع أو خداع النفس أو تشويه الواقع، ويعتقدون أنك لكي تكون واقعيا يجب أن تتشاءم وتقدم سوء الظن على حسن الظن وأن تتوقع أسوأ النتائج. بالأمس كنت أناقش خبيرا وافدا متخصصا في التنمية الذاتية، وكان تضخم معاناته التي لقيها في المطار والإجراءات التي طلبت منه رخصة سياقته الدولية إلى عمانية، وكذلك كان يتحدث بضجر شديد عن بعض الإجراءات التي نعتبرها نحن عادية جدا عندما طلبت منه الشركة التي يعمل فيها بعض الأوراق لاستكمال حصوله على اذن اصطحاب زوجته وأبنائه، ويقول: ما رأيته خلال خمسة عشر يوما يجعلني أفكر جديا في الرجوع الى بلدي؛ بالرغم من الفرق الشاسع بين بلده وبين السلطنة فقد سافرت كثيرا الى ذلك البلد وأعتقد أنه متحف للبيروقراطية والروتين وتعقيد الحياة، وأعتقد بأن السلطنة تعتبر بين أسهل بلاد العالم وأكثرها أريحية في التعامل مع البشر سواء من المواطنين أو من الوافدين. أوضحت لذلك الخبير بأن الإيجابية هي قبل كل شيء إدراك للمواقف والأمور، وأن تبحث بواقعية عن الجوانب الإيجابية في جميع مجالات الحياة، وأن تركز عقلك على ما الذي تتعلمه من موقف قد تعتبره سلبيا بينما يمكن أن تعتبره تحديا أو خبرة تمر بها وتتعلم منها، وإذا نشطت التفكير الإيجابي فسوف تكتشف أن الله سبحانه وتعالى قد خلقك كائنا محظوظا، ويكفيك أن تفكر في الله سبحانه وتعالى وفي قصة خلقك ومجيئك إلى هذه الحياة والخيارات الرائعة التي منحها الله لك في الحياة والفرص السانحة التي جعلها الله سبحانه وتعالى متوفرة لك ولغيرك. إن ما يمنع الناس عن اكتشاف جمال الحياة يكمن في تبني معتقدات سلبية مصدئه واعتبارها إطارا للتفكير وقياس درجة الخير والشر في الأشياء من حولهم.
منذ أيام أخبرتني معلمة هندية قصة مدهشة للتفكير الإيجابي غيرت حياة أختها جذريا، فقد مرض زوج أختها مرضا خطيرا عجز الأطباء عن علاجه، ولم تكن ظروف الأسرة الفقيرة تسمح لهم بالبحث عن خيارات علاجية أفضل، فلزم الرجل المريض بيته، واضطرت زوجته المعلمة أن تبقى معه للاعتناء به وخدمته بعد أن تخلت عن وظيفتها كمعلمة في إحدى المدارس، وشاركها زملاؤها تقديم الدعم النفسي والعاطفي لزوجها، فكانوا يجلسون جلسات علاج جماعي ويفكرون بطريقة إيجابية تتضمن ارسال نية الشفاء الكوني لذلك المريض، وخلال ثلاثة شهور استعاد الرجل كامل عافيته وذهل الأطباء عند إعادة الكشف الطبي عليه، فقد اتضح أنه شفي فعلا. واعتبرت زوجته ذلك معجزة فاتخذت قرارا بالاستقالة من عملها وبدأت تعمل معالجة بالتفكير الإيجابي. وبعد قراءات عميقة وممارسة التأمل اقتنعت المرأة فعلا بأن جذور كل مرض أو مصيبة تنبت من الأفكار السلبية.
يستطيع كل إنسان ممارسة التفكير الإيجابي ولن يحتاج إلى معلمة أو معلم ليشرح له كيف يكون إيجابيا، فقط عليه أن يدرب نفسه على البحث عن الوجه المشرق في مختلف ظروف الحياة؟ ماذا يمكنني أن أتعلم من هذا الموقف؟ ما الخطوات التي لو عملتها يمكن أن تغير في النتائج؟ ما هي مواهبي وامكانياتي؟ كيف أستطيع أن أحقق السعادة؟ وهكذا بمجرد أن يطرح الشخص أسئلة تكون النتائج الايجابية هي اجاباتها المحتملة وليست المشاكل هي مفاتيحها؛ يستطيع كل انسان أن يحدث تغييرا في طريقة حياته وفي الحياة من حوله.
إن الإيجابية هي أسلوب حياة وطريقة تفكير وخبرة شعورية مبهجة وليست نزوعا إلى الخيال أو هروبا من الواقع.

د. أحمد بن علي المعشني
رئيس مكتب النجاح للتنمية البشرية