كانت الأصوات تتنافس لتكون الأعلى وقد ينقطع نفس البعض من شدة ارتفاع الصوت، لكن الحماس يأخذه لتكملة السلام السلطاني بأعلى صوت وكأن هناك من يراد له أن يسمع ذلك الدعاء وبسماع ذلك الشخص الدعاء الذي يتألف منه السلام السلطاني ستكون وطنيته أعلى من الاخرين لأنه أثبت بحماسة أنه محب لوطنه ولسلطانه، كان الطابور الصباحي أو الظهري (كون بعض المدارس قبل عدة سنوات تباشر دوامها فترة الظهر) بالنسبة للطالب الفترة التي يعبر فيها عن ذلك الحب فكانوا يتنافسون على من سيذهب لتأدية مراسم تحية العلم ومن الذي سيحظى بشرف الوقوف في مقدمة الطابور ليحظى بشرف رفع العلم وإلقاء التحية بعد انتهاء السلام السلطاني وبهذا يكون قد أشهد الجميع على وطنيته وحبه لوطنه ويكون ذلك اليوم فخورا مزهواً أمام أصدقائه وزملائه الذين تمنوا لو كانوا مكانه.
وقبل سنوات مضت ولنقل خمسة عشر عاماً كان الطلاب يتنافسون ليبدأوا حياتهم العسكرية المدنية كأشبال يرتدون الملابس التي تمكنهم من تأدية الكثير من المهام التطوعية بانتظام وبعبارات وطنية تشعرهم بالالتزام وتأدية الواجب ليتأهل بعدها ليكون في الكشافة، وكانت الطالبات يفتخرن بلبس ملابس الزهرات البنية اللون كمرحلة أولى لينتقلن بعدها ليكونن مرشدات بملابسهن الرمادية التي هي تمثل الرتبة الأعلى والتي يجب على الجميع احترامها كاحترامهم لبلدهم، الملابس كانت بمثابة الالتزام والدليل على أن الجميع مستعد لتأدية واجبه تجاه وطنه لأي ظرف كان، كالتزامه بالمشاركة في الأعياد الوطنية، فما أن يطل نوفمبر يحرص الجميع على المشاركة في الحفل الذي تقيمه مدرسته فيقدم أفضل ما لديه يغني، ينشد، يلقي القصيدة أو يقدم الحفل وكان لابد من بصمة في ذلك اليوم.
تلك المراحل التي كان يمر عليها الطالب تغرس فيه حب الوطن والانتماء فيخرج من المدرسة وهو يحمل أمانة كبيرة يشعر بأنه حارس لوطنه ولترابه، عمان كانت لهم كالأم التي لا يرضون أن يؤذيها أحد ومستعدون للتضحية من أجلها، وقلة من كان يتجه في غير هذا الاتجاه، حيث كانت المدرسة والمذياع والتلفاز والبيت يتجهون في نفس الاتجاه من الاحترام والتقدير والحب للوطن وقائده وقبل هذا الصدق بعيداً عن التزيف.
ولكن ومع الانفتاح والحرية بكافة أشكالها أخذ البعض يستغلها لدخول باب الشهرة (خالف تعرف) ظهر أصحاب النفوس الناكرة للجميل أو من لم يحصد ما يريده بطرق الغرس السهل فبدأو ينشرون سمومهم هنا وهناك سخروا كافة أسلحتهم للوصول للشباب فكانوا يتخذون من حب الوطن ومصلحته منفذا للوصول إلى ما يسعون إليه.
فوجد الجيل الجديد نفسه أمام متناقضات بين الوطنية وبين ما يقرأه في وسائل التواصل الاجتماعي أو بين من اتخذ لنفسه مكاناً في وسائل الإعلام المختلفة وبدأ برجم أمه عمان بحجارة اصطناعية زائفة ويعرفون من أين تؤكل الكتف وكانت حجارتهم تلك إبرة ضغط لنيل ما يريدون فهم يسعون لنيل مصالح شخصية دنيوية فدخلوا من باب حب الوطن مع أنهم كانوا يبطنون العكس ومن باب الثقافة التي كونتها مصادر دعت لدمار أمم وإحراق شعوب وإتلاف عقول ولكن كل غربي أجنبي مقبول مهما كانت خلفياته، هؤلاء استهدفوا الأشخاص ذوي العقول اللينة التي يسهل اختراقها والذين لم تتشكل مبادئهم في الحياة بعد ويتأرجحون بين دفتين، البعض صدق ادعاء هؤلاء وبدأ ينجر إليهم والبعض الآخر صمد ليرى ما النتيجة ومن هو المنتصر في النهاية.
ولكن وبكل آسف بعض منهم وبعد أن عاث في الأرض فساداً ونجح تأثير الإبرة التي استخدمها حصل على ما يريد ورجع كالحمل الوديع يسترجي عطف من اتهمه بخيانة وطنه وعاد ليثبت بأن وطنيته أعلى من أي عماني، أي عقول تلك ترضى بهكذا مسرحيات ؟! ماذا نقول لأبنائنا عندما يسألون عن عقاب الخائنين الفاسدين ؟! أليس تكريم هؤلاء فساداً ؟! يقول عبدالله الطائي في قصيدته من مراحل الطريق:
اليوم قد أضحى جميلك منكرا
ومشى عدوك شامتا متبخترا
رام الوصول فنال كل مرامه
من بعد أن حطب الدسائس وإفترى
وسعى إلى صدر الصديق يثيره
ليت الصديق لدى الإثارة فكرا
وبين الوطنية التي يتعلمها في المدرسة والتذبذب في وسائل التواصل الاجتماعي وبين الثقافة التي يبثها مدعين الثقافة، الجيل الحالي أصبح يطفو على قارب لا يعرف إلى أي مرسى يتجه، فأنقذوا الجيل الحالي من حرية البعض غير المسئولة.

خولة بنت سلطان الحوسنية sahaf03@