[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
غالبًا ما تطرح المفارقات في المواقف السياسية، والتناقضات في الأحداث إجابات شبه حاسمة على تساؤلات عالقة في أذهان العامة والبسطاء من الناس، إلا أن الماكينات الإعلامية ذات التوجهات السياسية والتابعة لمشاريع استعمارية هي التي تتولى ممارسة دور التعمية بترديدها بصورة آلية مبرمجة لتبدو على غير الواقع المخطط لها.
اليوم ليس هناك تناقضات ومفارقات تقدم إجابات حاسمة وشافية لجميع التساؤلات، لدرجة أنها تجلو أي عتامة أو غشاوة، من التناقضات والمفارقات التي أفرزتها أنواء "الربيع العربي" في الدول التي أصابتها، بالمقارنة مع ما يحدث في أرض فلسطين التاريخية من أحداث دراماتيكية تشهد سباقًا صهيونيًّا مع الزمن لإنجاز مشروع التصفية للقضية الفلسطينية بالتوازي مع مشروع التدمير والتفتيت والتفكيك وإعادة التركيب لدول المنطقة، وصولًا إلى تلك النهاية المرتسمة في عقل المخططين من الصهاينة وحلفائهم من القوى الغربية الاستعمارية الإمبريالية، بتأمين كيان الاحتلال الصهيوني وتحققه عبر رسم حدود جغرافية للمنطقة تُحوِّل دولها إلى كيانات قزمية كرتونية طائفية متناحرة، وتسمح في الوقت ذاته ببقاء المصالح الغربية.
وما كان بالأمس همسًا يرتفع إلى حد التحذير من جدول تنفيذ ما يسمى بـ "الشرق الأوسط الكبير" الذي تتساوى به دول المنطقة مع كيان الاحتلال الصهيوني أو أقل منه، على أن تكون مصادر الثروة في (الكيانات) المجزأة كلها بيد الموالين لأصحاب النظرية في حكومة العالم الخفية، أصبح اليوم واقعًا يرفع صوت النذير، وما كان بالأمس من وصف بأن كيان الاحتلال الصهيوني يُقطِّعُ عملية السلام قطعة قطعة، أمسى الوصف لا وجود له، فسواطير الإرهاب الصهيوني أتت على العنصر البشري الفلسطيني، وآلة الاستيطان والتهويد قطعت مناشيرها الأرض الفلسطينية. وبين سندان الاستيطان ومطرقة الإرهاب ضاعت القضية الفلسطينية التي ظلت حتى ما قبل عام 2011؛ عام أنواء "الربيع العربي" توصف على استحياء بأنها القضية المركزية للعرب.
وما تشهده المنطقة من تورم خبيث طاغٍ في مفاصلها يهددها بالشلل التام والاستسلام الكامل، وتشهد فيه خيانات عظمى جراء أنواء "الربيع العربي" التي خرجت من رحمها شراكة لم تكن مألوفة من قبل بين القوى الاستعمارية الامبريالية الغربية والقوى الذيلية التابعة لها وبين التيارات الإرهابية وتحت عباءة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع لها والمنظمات الحقوقية الأخرى، كل ذلك هو جعجعة لطحن تدور رحاه على أرض فلسطين المحتلة وفي مقدمتها أرض القدس ومسجدها الأقصى الشريف التي تعيش سباقًا صهيونيًّا مع الزمن لاستكمال اغتصابها وتهويدها والاستيلاء على الحرم القدسي الذي يسير المخطط وفق ما هو مرسوم له بدءًا من تقسيمه الزماني والمكاني وليكون مقدمة لهدمه وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه، إذ الرؤية الصهيونية ترى أنه لن يكتمل مشروع اغتصاب فلسطين وإقامة كيان الاحتلال الصهيوني على أنقاضها إلا باغتصاب القدس وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى.
نعم، ونقولها بالفم الملآن، لقد نجح الصهيو ـ أميركي في بعثرة المنطقة لصالح كيان الاحتلال الصهيوني من خلال أنواء "الربيع العربي" عبر تحالفهما مع الإرهاب وإنتاج عصابات جديدة له تحمل مسميات لا تمت للإسلام والعروبة بصلة، تتولى عملية البعثرة والإبادة والتدمير والتفتيت الممنهج بدعم صهيو ـ أميركي ـ غربي وبتمويل عربي عميل، وجز رؤوس الدول القوية الرافضة للاحتلال الصهيوني والمقاومة لجرائمه بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، أو على الأقل إضعافها وإعاقتها، لتمكين العدو الصهيوني من إنجاز مشروعه التصفوي بحق القضية الفلسطينية باستكمال الاستيلاء الكامل على القدس ومقدساتها الإسلامية وخاصة الحرم القدسي، وما يؤكد ذلك الآتي:
أولًا: تعميم المشروع الداعشي في المنطقة من المحيط إلى الخليج الذي اختاره الأعداء منجلًا ينحرون به المنطقة وشعوبها، ويمزقون به حدودها وفق ما اعتمل في العقل الغربي الاستعماري من تقسيم كعكة الثروات بين معشر المتآمرين الاستعماريين هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إشاعة خطر هذا المشروع وتعميمه وبث صور جرائمه البشعة لمشاغلة الشعوب العربية عن ما يدور من تمزيق وتدمير وتهويد للقدس والمسجد الأقصى، وإرغام هذه الشعوب على الاستسلام بصدمات مشاهد الجرائم وتأثيرها.
ثانيًا: تحديد عمر الاستراتيجية الأوبامية للمواجهة "الإعلامية" للمشروع الداعشي بثلاث سنوات، ورفعها من قبل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لخمس سنوات، ثم الحديث عن زيادة في المدة قد تصل لثلاثة عقود أو تقصر، ليس من باب التخمين أو التسلية وقضاء أوقات فراغ سعيدة، وإنما لاعتبارات إعطاء المدة الكافية لكيان الاحتلال الصهيوني لإنجاز مشروع التهويد والتصفية والاستيلاء على القدس والمسجد الأقصى، ولترتيب مسرح الجريمة، وإنجاز فك المنطقة وإعادة تركيبها، وإضعاف محور المقاومة الممتد من طهران وبغداد حتى دمشق وبيروت أو النجاح في تقطيع أوصاله. ولذلك لا غرو أن يحقق المشروع الداعشي تقدمًا على الأرض تحت مظلة الضربات الجوية لتحالف الولايات المتحدة، ولا عجب من أن يرفرف علم ما يسمى جبهة النصرة مع علم كيان الاحتلال الصهيوني، وخرق القرارين الأمميين 2170 و2178 اللذين نصَّا على محاربة "داعش" و"جبهة النصرة" الإرهابية وقطع التمويل عنهما، ومحاولة الالتفاف على القرارين بإخراج الجبهة منهما وتقديمها على أنها "معارضة سورية معتدلة".
ثالثًا: تعطيل السلطة الفلسطينية عن أي تحرك باتجاه مجلس الأمن الدولي بتقديم مشروع قرار بجدولة إنهاء الاحتلال الصهيوني وفق حدود عام 1967م، وعودة الحديث الممجوج عن المفاوضات ودخول العرَّاب الأميركي جون كيري وزير الخارجية الأميركي على خط التعطيل والعرقلة بالحديث عن أفكار جديدة، وأن أي اتفاق لا يتم إلا عبر المفاوضات، والتلويح باستخدام الفيتو الأميركي لإفشال مشروع القرار.
إذًا، القول بأن المنطقة تعيش أنواء "خريف عربي" وليس أجواء "ربيع عربي"، بعد أن سقطت آخر ورقة توت كانت تستر مؤخرات معشر المتآمرين وأدواتهم الإرهابية، هو القول الثابت والقول الفصل، يؤكده واقع الأحداث التي يشاهد فيها الجميع تساقط أوراق المنطقة ورقة ورقة.