[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/samyhamed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سامي حامد[/author]
واجهت مصر انتقادات محدودة في أعقاب اتخاذ السلطات المصرية إجراءات جديدة لتأمين حدودها الشرقية مع قطاع غزة من خلال البدء في إنشاء منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي ماتطلب معه إخلاء هذه المنطقة من سكانها مع صرف تعويضات مالية لهؤلاء السكان نظير ترك وهدم منازلهم، وهو ما اعتبره البعض تهجيرا قسريا يخالف الأعراف والمواثيق الدولية، وهي انتقادات في مجملها ليست بريئة هدفها إثارة القلاقل داخل المجتمع المصري فضلا عن تشويه صورة النظام دوليا باعتباره يمارس أفعالا تتناقض مع حقوق الإنسان .. والذين يرددون ذلك يتغافلون عن قصد الأسباب التي دفعت الدولة المصرية لاتخاذ مثل هذه الإجراءات والاضطرار إلى إخلاء المنطقة الحدودية من السكان!
إن ما دفع مصر لاتخاذ مثل هذه الخطوة التي أغضبت البعض هو حماية أمنها القومي الذي يواجه أخطارا جسيمة بعد أن ازدادت حدة العمليات الإرهابية حيث اكتشفت السلطات المصرية عقب الحادث الإرهابي الأخير الذي راح ضحيته 31 ضابطا وجنديا من الجيش المصري في النقطة العسكرية بمنطقة "كرم القواديس" الواقعة بين مدينتي الشيخ زويد والعريش بشمال سيناء أن هناك عناصر قد تسللت عبر الأنفاق وشاركت في تنفيذ العملية، وأن عملية تدمير الأنفاق التي تقوم بها القوات المسلحة المصرية منذ عدة أشهر غير مجدية، حيث تبين أن هناك أنفاقا تنتهي داخل البيوت بل وفي بعض المساجد، ما استدعى السلطات المصرية إلى اللجوء لفكرة إقامة منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي وإخلاء سكان هذه المنطقة حتى يمكن التخلص من الأنفاق السرية التي تهدد الأمن القومي المصري.
من حق مصر إذن تأمين حدودها حماية لأمنها القومي مثلها في ذلك مثل أي دولة في العالم تشعر بتهديدات على الحدود خاصة بعد عملية "كرم القواديس" التي سوف تؤرخ لتاريخ جديد من حرب مصر مع الإرهاب، حيث إنه قبل هذه العملية كان الإرهاب مجرد عمليات متفرقة هنا وهناك تقوم بها جماعات إرهابية تنتمي لتيار ما يسمى "السلفية الجهادية" وعمليات أخرى يقوم بها إرهابيون تابعون لجماعة الإخوان المسلمين، لكن عملية "كرم القواديس" تعد بمثاية الضربة الأولى في مخطط إسقاط الدولة المصرية وهي مقدمة لحرب كبيرة مدروسة لها أطرافها ولها أهدافها المعلنة الزاعمة إقامة "الدولة الإسلامية"، ما يعني أن مصر تواجه إرهابا منظما تشارك فيه عدة دول وأجهزة استخبارات وجماعات مسلحة لتنفيذ هذا المخطط الذي يستغل الدين لتنفيذ أغراضه!
إن عملية "كرم القواديس" تؤكد أن مصر قد دخلت في عمق مشروع ما يسميه الإرهاب بهدم "دار الكفر" أي الدول العربية والإسلامية وبناء "دار الإسلام" ودمجها في مشروع "داعش" في العراق وسوريا حيث دعا هذا التنظيم في يوم الـ30 من يونيو الماضي الفصائل الجهادية في جميع أنحاء العالم لمبايعة زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي إماما وخليفة للمسلمين في كل مكان، كما دعا داعش إلى التوقف عن استخدام اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ليقتصر الاسم على "الدولة الإسلامية" فقط، ما يعني أن الدولة الإسلامية أو دولة الخلافة المزعومة لا تقتصر على العراق والشام، بل تخص كل العالم الإسلامي، أما ولايتا العراق والشام فهما فقط نواة الدولة الإسلامية التي سوف تتمدد وتتوسع!!
المنطقة العربية إذن ومنذ الـ30 من يونيو الماضي أمام واقع جديد وخطير ينبئ بأن تيار السلفية الجهادية تحول من العمليات بالتجزئة إلى العمليات بالجملة؛ أي تحول إلى مشروع لإقامة نظام إقليمي جديد بإسقاط كل الحدود وكل الجنسيات وتوحيد الدول تحت راية داعش السوداء، وهي تطورات مهمة يجب على الدولة المصرية أن تأخذها في الاعتبار وهي تعد نفسها لحرب طويلة لمواجهة إرهاب السلفية الجهادية، وبالذات تنظيم ما يسمى"الدولة الإسلامية" الذي يقود الحرب الآن ضد مصر ويسعى إلى توسيع نفوذه في أوساط الإخوان والسلفيين، وهو ما كشفته رسالة هذا التنظيم لشباب الإخوان التي حرضتهم على قتال الجيش والشرطة في مصر.
لقد طالب ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية شباب جماعة الإخوان المسلمين في مصر بضرورة تبني العمل المسلح وإعلان الجهاد ومحاربة من أسماهم "الكفار" والتوجه إلى سيناء لقتال الجيش والشرطة .. وجاء في رسالة بعنوان "الصدام قدر محتوم" أن شباب التيار الإسلامي والإخوان يجب أن يعودوا إلى كتاب الله يرفع راية الجهاد ووقف المظاهرات والأعمال السلمية والتوجه إلى سيناء واعتبارها "دار حرب" لقتال الجيش والشرطة، كما خاطبت الرسالة شباب الإخوان بأن "الخلافة التي يطالبون بها موجودة في المشرق بالعراق والشام وعليهم العمل داخل أراضيهم لتمددها وتوسيعها وإلغاء الحدود" .. هذا كل ما جاء في الرسالة، ما يعني أن الدولة المصرية باتت هي الأخرى في مواجهة الحرب على "داعش" بعد أن ظلت تردد بأنه لا وجود لهذا التنظيم داخل الأراضي المصرية إلى أن اتضح في الآونة الأخيرة أن هناك عناصر تنتمي إلى هذا التنظيم تم إلقاء القبض عليها داخل الاأاضي المصرية.
إذن، الصدام محتوم خاصة بعد بيان منسوب لجماعة أنصار بيت المقدس يؤكد مبايعته لأبو بكر البغدادي زعيم "داعش" ثم قيام نفس الجماعة بنفي هذا البيان فيما بعد، وهي لعبة الهدف منها تشتيت الأجهزة الأمنية في مصر.