[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
أحاول في أدناه، أن أطور جدلًا حول التمييز بين الإسلام و"الإسلام الجديد". إذا كان الإسلام دينًا من أديان العالم العظمى، فإن ما يحدث اليوم وخلال العقود الأخيرة يطرح نفسه على أنه "تحرير" للإسلام، والعياذ بالله، من أصل طبيعته، تقليدًا روحيًّا، كسواه من الأديان.
للمرء أن يلاحظ في هذا السياق بأن القرنين التاسع عشر والعشرين شكلا عصرًا ذا شخصية متميزة، وهي أنه كان "عصر الآيديولوجيات" الحديثة الكبرى: في القرنين الماضيين ظهرت أهم الآيديولوجيات السياسية كالشيوعية والاشتراكية والرأسمالية، زيادة على تفرعاتهما. ونظرًا لأن العالم الإسلامي لم ينتج من هذه الآيديولوجيات كما أنتج العالم الغربي، فإنه عمد إلى "أدلجة الإسلام"، تيارًا أريد له أن يكون خاصًّا بالمسلمين، لمعالجة مشاكلهم وللمساعدة لإيجاد موطئ قدم لهم في عالم الآيديولوجيات الكبرى.
هكذا ظهرت "اليقظة الإسلامية"، إجابة إسلامية على فشل الآيديولوجيتين الاشتراكية والقومية في العالم الإسلامي، خاصة بعد إخفاق رؤيا الدولة القومية بعد عبدالناصر وبعد البعث.
والحق، فإن اليقظة الإسلامية لم تكن ظاهرة فكرية/سياسية موحدة قط عبر تاريخها القصير، نظرًا لتواشجها بالمجتمعات المتنوعة وبالتاريخ المختلف عليه هو الآخر، للأسف. ظاهرة غياب الاتساق في كينونة هذه اليقظة هو الذي قاد إلى أنواع التفرعات والتشعبات التي اتخذ كل واحد منها عنوانًا خاصًّا به، الأمر الذي قادنا إلى غابة اصطلاحات، كان آخرها ما اقترحته، أي الإسلام الجديد Neo-Islam. شملت غابة الاصطلاحات الألفاظ التالية: الإسلاموية والجذرية الدينية والخمينية والأصولية والسلفية والتنقوية والولادة الجديدة والإصلاح الديني والألفية والمهدوية، وهي ألفاظ تكاد تصب في معنى واحد، خلاصته أدلجة الإسلام، جهدًا فكريًّا وموقفًا سياسيًّا لخلق توازن يخص عالم المسلمين في عصر الآيديولوجيات الكبرى، كتلك المشار إليها أعلاه.
كما ينبغي على المرء أن يلاحظ أولًا، بأنه إذا كان عصر الآيديولوجيات قد ولد في العالم الغربي (أوروبا، خاصة)، فإن أدلجة الإسلام، هي الأخرى انطلقت إجراء تحرريًّا وطنيًّا، قبل كل شيء، رد فعل ضد اندفاع الكولونياليات الأوروبية للاستحواذ على العالم الإسلامي. لذا كانت ثورات المسلمين الأولى ذات صبغة وطنية أو قومية، في الهند أو إيران أو بقية العالم الإسلامي. وهكذا اختلطت المفاهيم وتداخلت الاصطلاحات، هي وهالاتها الدلالية.
لذا على المرء أن يتذكر دائمًا أن أدلجة الإسلام إنما هي محاولة إسلامية لإضفاء معنى لتقليد روحي متوارث على سبيل البرهنة على أنه نظام اجتماعي قابل للتطبيق، حلًّا لمشاكل الحكم والمجتمع والتعقيدات السياسية والاقتصادية.
ويبدو للباحث المتعمق أن نجاح وشيوع أدلجة الإسلام بهذه الصورة التي نشهدها اليوم عبر العالم الإسلامي لم يكن ليغدو ممكنًا لولا تمركزه في الجامع، وليس في أي موضع آخر: فإذا كانت الحكومات قادرة على لجم الجماعات السياسية، سوى الإسلامية، خارج الجامع، فإنها تتردد كثيرًا، إن لم تعجز، في لجمها داخله.