وكيل ادعاء عام أول / سالم بن ناصر البوسعيدي يجب أن يوقع جميع القضاة الثلاثة الذين أصدروا الحكم على مسودته، والعبرة بالتوقيع على الصفحة التي بها منطوق الحكم، ولا يغني عن ذلك توقيعهم على باقي الصفحات، عدم توقيع أحد القضاة على صفحة المنطوق مؤداه البطلان، وهو من النظام العام الذي يجوز للمحكمة العليا إثارته من تلقاء نفسها.
الطعن رقم:(201/2009م – الدائرة الجزائية)
تتحصل وقائع الدعوى في أن الادعاء العام أحال الطاعن إلى محكمة الاستئناف بصحار (دائرة الجنايات)، لأنه وبتاريخ: 4/9/2008م، وبدائرة اختصاص مركز شرطة السويق:
قاد مركبته بدون تروٍّ وبطريقة تشكل خطورة وتعرض حياة الأشخاص وأموالهم للخطر وذلك بأن دخل الطريق دون التأكد من خلوه من المركبات القادمة في خط سيرها والتي لها أولوية العبور، ليتزامن ذلك مع قدوم مركبة المجني عليه (س)، ويقع الاصطدام بينهما لينتج عن الحادث إصابة الأخير ومجموعة من مرافقيه، الأمر الذي ادى إلى إصابتهم بمرض وتعطيل عن العمل لمدة تزيد عن عشرة أيام، وفق الثابت بالتقارير الطبية، بالإضافة إلى الأضرار المادية التي لحقت بالمركبتين، وقد طالب الادعاء العام بإدانة المتهم بالموجب نص المادة (50/1) من قانون المرور.
وبتاريخ: 25/2/2009م، قضت محكمة الجنايات بصحار بإدانة المتهم بالجناية المؤثمة بنص المادة (50/1) من قانون المرور، ومعاقبته بالسجن لمدة سنة ينفذ منها عشرة أيام ومدنياً بتعويض المجني عليهم، على أن تحل محله في الأداء الشركة المسؤولة عن الحق المدني، الشركة (ع) للتأمين، ورفض ما عداه لعدم وجود إثبات.
لم يرتضِ المتهم بهذا الحكم فطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا، وذلك بتقرير أودعه بتاريخ 25/2/2009م، لدى أمانة سر المحكمة التي أصدرت الحكم، وبذات التاريخ أُودِعَت صحيفة بأسباب الطعن موقعةً من محامٍ مُقيد لدى المحكمة العليا، بصفته وكيلاً عن الطاعن، وقدم ما يفيد وكالته عنه، كما قدم ما يفيد سداد الكفالة المقررة قانوناً.
تم إعلان المطعون ضدها بصحيفة الطعن ولم ترد عليها، كما أودع الادعاء العام لدى المحكمة العليا مذكرة بالرأي، خلص فيها إلى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه للبطلان.
لم تناقش المحكمة العليا ما أثاره الطاعن من أسباب في طعنه ولم ترتكن عليها في حكمها ولم تطرحها على بساط البحث مطلقاً، لما شاب الحكم المطعون فيه من عيبٍ إجرائيٍّ، قاد بشكلٍ مباشر إلى بطلانه، والتقرير بعدم صحته ونقضه، دونما الالتفات إلى ما ساقه الطاعن من أسبابٍ شكلية وموضوعية حول الحكم وما حواه من تفاصيل.
ذلك أنه وبعد اطلاع المحكمة العليا على الحكم المطعون فيه وعلى سائر الأوراق المرفقة في الدعوى وبعد المداولة فيما بين قضاة المحكمة سالفة الذكر، فقد ثبت لهم بأن الحكم المطعون فيه باطل، لكون مُسودة الحكم الطعين لم يوقعها إلا اثنين من القضاة الذين شاركوا في الحكم وتخلف الثالث عن التوقيع، وهو ما يشكل عيباً في الإجراءات، يبطل الحكم استناداً لنص المادة (222) من قانون الاجراءات الجزائية التي تنص على (...
ويجب أن تُودع مُسودة الحكم أمانة السر مشتملةً على أسبابه وموقعه من الرئيس والقضاة خلال ثمانية أيام من تاريخ صدوره..
إلخ).والثابت أن التوقيع المطلوب من القضاة الثلاثة الذين أصدروا الحكم، هو التوقيع على الصفحة التي بها منطوق الحكم؛ ولا يغني عن ذلك توقيعهم على الصفحات الأخرى من المسودة؛ لأن التوقيع المعتد به هو التوقيع على الصفحة التي بها المنطوق، والعبرة من ذلك إن إرادة المحكمة ونظرتها في القضية وما خلصت إليه من تمحيص للوقائع طوال جلسات المحاكمة يتلخص فيما تسطره بمنطوق حكمها، سواءً جاء الحكم بالبراءة أو بالإدانة، فمهما طالت أسباب الحكم وحيثياته، تبقى لا قيمة لها جميعاً إذا صدر منطوق الحكم معيباً ومخالفاً للقواعد الإجرائية المتعلقة بالنظام العام، كما هو الحال في هذه الواقعة.
وحيث إن توقيع مسودة الحكم من قاضيين من القضاة الثلاثة الذين أصدروا الحكم أمراً مخالفاً للقواعد الأساسية في إصدار الأحكام، والتي تعد من النظام العام الذي يجوز للمحكمة العليا إثارته من تلقاء نفسها، الأمر الذي يجعل من الحكم المطعون فيه مشوباً بعيب البطلان لمخالفته مقتضيات المادة (222) من قانون الإجراءات الجزائية، وهو ما تكون معه المحكمة العليا في غِنَىً عن تناول أسباب الطعن المقدمة على طاولتها، بحسبان أن بطلان الحكم الطعين أغلق الباب أمام مناقشة أسباب الطعن المثارة من قِبَلِ الطاعن.
وذلك بصرف النظر عن وجه الرأي بشأن تلك الأسباب التي تم طرحها في الطعن، كونها بنيت، في الأصل، على حكمٍ باطل بطلاناً مطلقاً، وبتالي فإن ما حواه من مثالب وأخطاء لا مجال للخوض فيها أو التعرض لها، باعتبار أن مخالفة محكمة ثاني درجة لما اشترطه القانون من أسس وقواعد في إصدار الاحكام الجزائية هي من النظام العام، ويجوز للمحكمة العليا - بحسب أنها محكمة قانون تسعى لمراعاة تطبيق القانون بالشكل الأمثل – إثارته من تلقاءِ نفسِها، ولو لم يطرح هذا المأخذ عليها، وهو ما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه.
وبتاريخ 27/10/2009م، حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه، وإحالة ملف الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم للفصل فيه من جديد بهيئةٍ مُغايرة مع رد الكفالة للطاعن.