[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]

” آلاف تشردوا في المنافي وأنا منهم وتشتت عائلاتهم وصودرت بيوتهم ولوحق أشقاؤهم وأقاربهم ومنهم من توفاه الله في المنافي مثل محمد الشابي والشاذلي الأخضر و منهم من عاد لتونس بعد الثورة معاقا و توفي في أرض الوطن مثل الشيخ الصديق المناضل صالح كركر و منهم من دفع الضريبة بعد عودته فقتلوه مثل المناضل الصديق علي السعيدي..”
ــــــــــــــــــــــ
تعيش بلدان (الربيع العربي) هذه الأيام ذكرى اندلاع أول شرارة وانطلاق أول إشارة لما اصطلح على نعته بالربيع العربي وبخاصة في تونس وطن مبادرة تغيير منكر الاستبداد بفضل استشهاد باقة من شبابها الوطني والمهمش والغاضب بدون قيادات وبدون أجندة أحزاب ونحن في تونس لا نبالغ إذا أعلنا أن تاريخ الرابع عشر من (يناير) 2011 كان يوم تتويج لكفاح شعب كامل في مقدمته شباب قدم شهداء للوطن ولايزال بعد سنوات ثلاث ينتظر رؤية غايات ثورته تتحقق وهي التشغيل والكرامة بعد أن تحقق له مطلب الحرية. ورأيت أن أحتفل بهذه الذكرى شخصيا بطريقة مبتكرة ولا ينفي هذا أنني كالملايين من العرب أترحم على أرواح الشباب الشهيد وأٌقف للاعتبار بالأحداث وأشارك بقسطي المتواضع في تقديم النصيحة والسند لمن يخدمون أوطاننا ويحاولون الخروج بها من الأزمات نحو الآفاق الرحبة وطريقتي هي الحديث لأبناء الجيل الشاب من العرب عما عشته بنفسي من مهازل الاستبداد حتى يدرك هذا الشباب أن الذين يحاولون اليوم إقناعه بأن ما حدث في تونس وليبيا ومصر .. إنما هو مجرد مؤامرة القوى الأجنبية.. وأن الدماء التي أهدرها القتلة إنما هي ماء ملون بالأحمر ثم إن هذه الحملة السفيهة تستغل خيبة الأمل لدى جماهير الشعب من ضعف أداء الحكومات الجديدة فتنزلق الحملة إلى أصل غايتها وهو التمهيد لاستعادة منظومة الاستبداد والتسويق لعودة إرهاب الدولة موهمين الناس بأن لا أحد يوفر الأمن ويحل المعضلات سوى المستبد الطاغية الذي خلع نفسه قبل أن يخلعه شعبه! من أجل هذا التدليس المفضوح للتاريخ يجب أن نعيد لذاكرة الشعب صور الماضي الاستبدادي الرهيب. ففي تونس استشهد مئات المواطنين تحت التعذيب لعل وجوه بعض رموزهم لاتزال حية في الوجدان مثل صورة الرائد محمد المنصوري الذي قتله زبانية النظام البائد أمام د.الصحبي العمري ورفاق سجنه ثم داسوا جثمانه الطاهر بأرجلهم القذرة و سلموه إلى ذويه المفجوعين جثة مشوهة وكذلك عبد الرؤوف العريبي الذي لفظ أنفاسه الأخيرة وهو معلق في ماكينة التعذيب المسماة بالدجاجة المشوية بعد أن أذاقه أعوان الموت ما لا يطيقه بشر بواسطة ماكينة تسمى بالهيليكوبتر وبعد أن تداولت عليه أيدي وسياط (بوكاسا) وهو الاسم المستعار لأحد الزبانية. آلاف من شباب تونس سجنوا عشرين سنة في زنازين انفرادية وطلقوا زوجاتهم منهم عنوة و تحت التهديد ثم جلبوا لهم زوجاتهم و أخواتهم المحجبات لدهاليز الداخلية واغتصبوهن أو هددوا باغتصابهن لترويع الموقوفين والمعارضين الأحرار. آلاف تشردوا في المنافي وأنا منهم وتشتت عائلاتهم وصودرت بيوتهم ولوحق أشقاؤهم وأقاربهم ومنهم من توفاه الله في المنافي مثل محمد الشابي والشاذلي الأخضر و منهم من عاد لتونس بعد الثورة معاقا و توفي في أرض الوطن مثل الشيخ الصديق المناضل صالح كركر و منهم من دفع الضريبة بعد عودته فقتلوه مثل المناضل الصديق علي السعيدي ومنهم من اعتدى عليه مرتزقة الاستبداد بالسكاكين والهراوات فشوهوا وجوههم في شوارع باريس مثل الصديقين د.أحمد المناعي ود.منذر صفر و منهم من هتك إعلام العار أعراضهم و لطخوا سمعتهم بالتلفيق والبهتان وهم يعدون بالآلاف على الصحف الصفراء التي أكلت لحمنا حيا على مدى 23 سنة مثلي أنا شخصيا مع ملاحقتي بأنتربول على مدى 10 سنوات كاملة ظللت أثناءها هاربا من مطار إلى مطار مع أولادي خوف ايقافي في كل لحظة الى أخر المأساة التي وضعت ثورة الشعب لها حدا بل حدا نهائيا لا رجعة فيه. واني شخصيا ورغم ما تحملته من محن المنافي والملاحقات لم أقطع شعرة معاوية مع زين العابدين بالنصيحة والكلمة الصادقة حتى جاءت أخر قطيعة معه سنة 2005 حين أصدرت كتابي الناقد له ولنظامه في حضرة السلطان الجائر لا بعد رحيله ثم تكلمت نفس الكلام على الجزيرة سنة 2006 فأكلت الصحف الصفراء لحمي حيا وخيرت المنفى للمرة الثانية ثم قبلت دون تردد تعييني سفيرا للدولة التونسية لدى دولة قطر (ولم أكن سفيرا لابن علي) فخدمت الجالية وأعدت العلاقات بين البلدين وتمكن آلاف التوانسة من الالتحاق بقطر الشقيقة للعمل ولم أندم على مساهمتي المتواضعة في خدمة الدولة و مصالح شعبي لأن الأنظمة زائلة والدولة باقية ولست في مجال استعراض جهودي من أجل تونس واني اليوم أعجب من استفحال الحملة اللئيمة للتشكيك في الثورة ومكاسبها وهي حملة اصبحت ممنهجة تلاحق كابوسا مستحيلا وهو كابوس لعودة للإستبداد فالتاريخ كما يقول أب التاريخ هيرودوت مثل النهر له مجراه و يستحيل تحويله أو تعطيل مساره أو إيقاف دفقه المقدس. و لهذا أشبه هذا الرهط من محركي حملة التشكيك والتضليل بمن يريد إعادة الحياة للديناصورات المنقرضة. لو تأملتم في عبر التاريخ السياسي لا في بلاد العرب فقط ولكن في كل أرجاء العالم الواسع لثبت لديكم أن الحكام الفاسدين والظالمين والجائرين لا يغفل الله عنهم بل يمهلهم ويزين الشيطان لهم سيئاتهم حتى إذا أزفت ساعة الحق وانطلقت الصيحة المؤذنة برحيلهم من حناجر الناس مسح الله أثرهم من وجه الأرض ومهما تراكمت أخطاء من عوضوهم على كراسي السلطة فإنهم لن يعودوا أبدا ويتكفل الشعب بفرض إرادته واختيار الأصلح بآلية الانتخابات الحرة الشفافة لمواصلة مسار الحريات و الديمقراطية في كنف الهوية.