لم يكن العشاء مختلفاً فالطعام يتشابه في كل مناطق العالم ، وإن اختلف الطعم تبقى المكونات مشتركة، لكن النساء اللواتي اجتمعن على طاولة العشاء يمثلن دولا عربية مختلفة ونظرة مختلفة للأمور وإن حاولت كل واحدة منهن إخفاء الاختلاف خوفاً من ردات فعل الأخريات اللواتي قد لا يتفقن معها على الرغم من أن بعضهن لم يعشن في دولهن العربية وقضين حياتهن في دول أوروبية وجدن فيها الاستقرار واحترام الإنسان لكن تبقى التقاليد والمبادئ العربية هي المحرك للعقل العربي في كثير من الأمور وإن كان بعضها ظاهرياً.
في إحدى مدن تلك الدول الأوروبية انبثق الحوار من مشهد الطاولة المقابلة حيث كانت امرأة ورجل يمارسان طقوسهما الرومانسية، فكانت الدهشة الممزوجة بالضحك ترتسم على بعض الخليجيات، قالت نادين ذات الشعر الأشقر وتعمل كمترجمة من اللغة الألمانية إلى اللغة العربية: إذا كنتم تظنون أن هؤلاء لا تربطهم علاقة زواج فإن شباب الخليج وتحديداً في دول بعينها يمارسون هذه التصرفات في الخفاء ويفعلون ما هو أدنى من هذه التصرفات، إذا كنتم تعتبرون هذا منافيا للأخلاق على الأقل هؤلاء دينهم لا يمنع هذه التصرف بل يدعو إلى الحب بكافة أشكاله وممارسته ولكن أبناء الخليج الذين يدينون بالدين الإسلامي يمارسون ما هو مناف لدينهم وما هو خارج نطاق احترام المرأة، فبدأت تسرد الأحداث التي تعرضت لها والتي تنصب في التحرش اللفظي ومحاولات التحرش الجسدي، وبمزيج من الضحك قالت ليس الشباب فقط حتى من هم على مشارف القبر يتعاملون معي كجسد متناسين أن للمراة عقلاً يفكر ولسانا قد يهدم ويدمر إذا استدعى الأمر.
وبعد حوار جال وصال في عقل الرجل الخليجي قالت نادين: استثني من ذلك دولتين منهما عُمان فلم أصادف حتى الآن رجلا عُمانيا قلل من احترامه لي فهم يحترمون المرأة ويقدرونها. إلا أن ابنة بلدي صاحبة الفرشاة الرقيقة والفن الجميل لم تعلق على ما سبق من حديث ولكنها خرجت من صمتها المعتاد ووجهت كلامها لي حتى لا تُشعر نادين بأنها تكذب أو بالغت في وصف الرجل العُماني قائلةً أتدرين لماذا لم يظهر اسمي كما ظهر اسم أخريات من اللواتي يعتقد البعض أنهن ناجحات بعملهن وجهدهن لأنني رفضت عروضا قُدمت لي وكان يفترض اليوم أن أكون مشهورة ولوحاتي يتغنى بها والفضائيات تضج باللقاءات معي ولكن تلك العروض لم تكن لأن أعمالي تستحق أن تظهر، بل كانت مقابل تنازلات أخلاقية يجب أن أقدمها لبعض الشخصيات فأتخلى عن شرفي لأظهر فكان البعض يقدم لي دعوات عشاء خاصة ومبالغ نقدية كبيرة نظير لوحة لا تستحق كل تلك المبالغ، وهناك من كان يعمل وسيطاً فيقدم العروض المغرية مقابل أن أذهب مع فلان وأقدم له ما يشتهيه من جسد الأنثى، كانت تتحدث وهي ترفع أصبعها وتقسم على ذلك الكلام، ولهذه الأسباب لم أسجل حضوري على الساحة لأني رفضت كل تلك العروض والتي وبكل آسف تشير إلى أن هناك من النساء من رضي بهكذا تصرفات مقابل أن يكون لهن اسم يلمع والناس تصفق لهن ولكن دون معرفة خلفيات نجاحهن وبأن هناك أنوثة بيعت مقابل ذلك الظهور.
هذه القضية حساسة وآن الآوان لفتح ملفاتها ويكفي للمرأة أن تظهر بأنها المظلومة والمسلوبة حقوقها وخلف تلك المطالبات هناك قضايا تدفنها والحديث عنها ليس لصالحها وقد يثير فتنة مجتمعية والمجتمعات الخليجية ليست مستعدة لمواجهتها،على المرأة أن تعالج الخلل أيضاً ولا تكتفي بالحديث عن الحقوق، هذه التصرفات التي تصدر من بعض النساء تجعل الرجل يستصغر عقل المرأة ويعتقد بأنها سلعة سهل شراؤها.
خروج ابنة بلادي من صمتها لم يكن من فراغ حتى أن جميع من على الطاولة أنصت لها، لسان بعضهن يقول لم تذكري شيئاً جديداً عن الرجل الشرقي والبعض وبشيء من البلاهة والغفلة الأنثوية يقول(ولماذا ترضى المرأة على نفسها هكذا تصرفات؟! ، انتهى ذلك العشاء الساخن بعد أن لطمنا هواء الشتاء البارد .
وأخيراً وكما يقال ليس كل ما يلمع ذهباً.

خولة بنت سلطان الحوسنية
@sahaf03