علي بن سالم الرواحي
قال البوطي ـ رحمه الله: إن كبرى اليقينيات هو:وجود الله حيث كل شيء يهتف باسمه ويسبحه ويحمده على آلائه، وغاية الخالق من الخلق وهي عبادته وحده.
ومن المعلوم أن غالبية الأشياء من ملائكة ونباتات وحيوانات وجمادات تقر بوجوده وتعبده ولا تعصيه أبداً وذلك طوعاً وكرهاً، هؤلاء خلقهم الله لعبادته فقط حيث لا شهوات بهم إلا طاعة ربهم، فبقى الأنس والجن وهم أصحاب شهوات وأهواء خيرهم الله في طاعته فإن اقتنعوا عبدوه وإلا كفروا به لكن الجزاء سيكون وفاقاً للعمل، لذا رأينا عصيان أكثرهم والعياذ بالله، وعلى العموم تنطبق الحرية التامة والاختيار الكامل عليهما في اختيار طريق الله أو طريق الشيطان، ونزل عليهم الوحي من الله عن طريق نبي أو رسول واحتوى على تعاليم دينية وتوجيهات ربانية وقبسات نورية وكمالات إلهية فاحتوى على أعلى المعارف لأنه آت ممن أحاط كل شيء علماً، واستحال عليه الكذب والانفعال العاطفي والتأثير بنفع أو ضر من أحد لأنه الرب سبحانه، وغيره مربوب له، بل بالعكس تميز بقوة تأثيره لأنه لا يموت.
وهنا سؤال نطرحه في هذا الجانب للملحدين الخارجين عن دين الله: لماذا تبتعدون عن الواقع أيها الملحدون؟، حيث أن الألحاد قد وُلِدَ قديماً ثم تجدد في عصرنا الحاضر بالقول على أن الكون خالق نفسه فأنى يتأتى ذلك وفاقد الشيء لا يعطيه، فنقول: أين كانت الطبيعة قبل وجودها قالوا: لم تنعدم وبالتالي أشاروا إلى إزليتها وإلهيتها، قلنا: إن كان الأمر كذلك فهي أحق أن تُعْبَد من دون الله؟ وهل يجوز عبادة الراقي للدنيء؟!، والجواب: ذلك لا يقبله العقل، فسقطت إلهيتها لما حمل ذلك من دور وتسلسل لا يجوزان عقلاً، وبسقوط إلوهيتها سقط أزليتها وكونها الطبيعة الخالقة، ثم راحوا يفكرون بتعدد الآلهة قلنا لو حصل ذلك لفسد الكون من البداية حيث تتنازعه فهذا يريده عبداً له والثاني كذلك، وما بقى إلا سؤالهم كيف جاءت الطبيعة؟ بعدسقوط خالقية نفسهاً, فمن أوجدها؟ قلنا: الله الأزلي الأبدي الحي القيوم القادر على كل الشيء حاكم الأكوان ومسير الإنسان ومخيره، وهو من الشيء الممكن له عقلاً وعادة وشرعاً أن يخلق ما يريد، فهو الخالق الرب الإله وحده بلا شريك ولا مشير ولا وزير ولا معاون له ملازم الألوهية بذاته العليا وما الطبيعة إلا أحد خلائقه.
ولقد جاء الملحدون في الجاهلية وعُرِفوا سابقاً بالدهريين الذين ألهو الزمان والمكان، ولاحقوا عصر القرون الأولى الثلاثة، فأنكروا وجود الله سبحانه وتعالى بدعوى إنه غير مرئي، وإنه لا دلالة قطعية تشير إليه، وأسند أمر والأمر إلى الطبيعة حيث تخلق نفسها وتسير نفسها وقالوا: إن القرآن مصدريته من عند محمد (صلى الله عليه وسلم) تلقاه عن رومي من أهل الكتاب بمكة المكرمة فكفروا بما فيه وأسقطوا إعجازه على وجود الله وعلى صدق نبيه، وتحدوا الله سبحانه وتعالى بآيات تكون حسية كما تمليه عليهم أهواؤهم، واتهموا النبي (عليه الصلاة والسلام) كان مطامعه السياسة فحسب، فلا حاجة لنا إلى الله سبحانه وتعالى، فلماذا نشقي أنفسنا بالجريان نحو عديم ومعدوم؟ كما أن الدين هو أفيون الشعوب ومخدرها وشرارة الحروب ونيرانها، ولماذا لا نتنعم بهذه الحياة الفاخرة ذات المراكب الماخرة والصناعات الباهرة ما زال لا حساب علينا، سبحان الله.
ومن أجمل ما قاله الشيخ الشعراوي:(إن المؤمن تمسك بالدين والإسلام فلن يتخلى الله عنه، أما الماديون ركنوا إلى الأرض عابدين الأسباب والمواد دون رب السبِّب وهو سبحانه وتعالى فلم يصلوا إلى نهاية الطريق إذ حطه الرحال إلى جزئها ولم يكملها ليصل إلى الله الواحد الأحد، ولو فعل ذلك لما ألحد)، ويقول الشيخ أيضاً في مواقف الناس تجاه رسالات الرسل ثلاث:(المؤمنون):الذين تناغموا مع الكون بانسجام تام وارتاحوا إلى الرب الرحيم ولم يكدر الكون بخطأ ولو صغيراً، و(الكافرون): الذين انسجموا مع نفسهم لا إلى الكون فهم في تصارع معه, وينتج منه المعاصي تلو المعاصي ولا حول ولا قوة إلا بالله، و(المنافقون): لم ينسجموا لا مع نفوسهم ولا مع الكون فذاق الجحيم في الدنيا، لأن الكافر يسعى إلى الدنيا وهو سعيد وهؤلاء يسعون إلى الدنيا وكله نكد وعمي.