علي بن سالم الرواحي :

ما معنى العصمة؟
اعتصم بالشيء،أي: تمسّك به، (قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (هود ـ ٤٣).
والأنبياء معتصمون بقدرة الله سبحانه وتعالى فهم مستمسكون بدين الله من عقيدة وشريعة متسابقون في أداء وحيه إلى الناس بلا نقصان بل بكمال وانقياد تام، فالله هو الحي والقيوم، والعصمة سر القدوة، وهم معصومون عصمهم الله ومنعهم ومسكهم عن المعاصي في الحكمين:(التكويني والتشريعي).
ويتفاوت الأنبياء في العصمة وأفضلهم محمد ولو ركن إلى الكافرين قيد أنملة لانتهى تشريعه ـ لا قدّر الله ـ ولافترى على الله الكذب وهو حرام وكبيرة.
ولم يسجل لنا التاريخ أبداً أن نبياً ارتكب الكبائر سواء قبل البعثة أو بعدها،أما الصغائر فلا يكاد الإنسان ينفك منها ولذلك عذر الله عباده من العقاب عليها ما لم يكونوا غير مصرّين عليها أو مستخفين بالشارع سبحانه وتعالى أو برسوله الكريم.
كذا أن التاريخ يُسجّل لنا أن النبي غالباً وقع تجافيه عن الصغائر وتقليله لحجمها وحماه الله عن بعضها واذا ما فعل النبي الصغيرة حصل عقاب الله مباشرة أو عتابه له، فعذاب الله مثل ما حصل لداوود (عليه السلام)، حيت تزوج امرأة واحدة قواده بعدأن طلقها منه وكان ذلك مسموحاً به في شريعة داوود لكن يريد الله أن يُربّي أنبياءه على الطاعة المطلقة والارتفاع عن اللمم فهم قدوة شعوبهم وطبع الانسان أن يتعظ اذا رأى داعيه مطبّقاً لمضمون دعوته، فأرسل الله له الملكين المتخاصمين، فتذكر داود ما فعل فاستغفر ربه وأناب.
* الدليل العقلي على العصمة
أ ـ العصمة تجنّب النبي الكبائر والاختلاف الجوهري عليه.
ب ـ لم يحدث في التاريخ الصحيح صدور كبائر من الرسول والنبي ولا اختلاف جوهري،
والنتيجة:(النبي معصوم).
ومن مظاهر العصمة: 1 ـ إخلالهم بشيء من الوحي والرسالة، سواء كان:مما يلقونه من أذى، ،، أو بالتقول على الله سبحانه وتعالى، وبالنسبة لسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) حفظ القرآن والسنة واللغة العربية.
2 ـ ارتكاب الكبائر وهو مستحيل،فلم يرتكب الأنبياء والرسل كبيرة من الكبائر ويبدو لي وقوعها قبل البعثة وبعدها، وإذا اصطفى الله من فعل كبيرة فيُقال لماذا يختار الفجار للنبوة وللرسالة فهل يعالج الفجور بالفجور سبحانه وتعالى؟!.
أما أخطاؤهم فهي خفيفة جداً لا تقارنها معصية ولا ذنب بل يعاتبهم الله سبحانه وتعالى عليها، وهي عند غيرهم عادية جداً وليست تحدث كذنب منهم بل عفا الله عنها ولا يعاتبهم الله عليها، فإن الأنبياء قدوة لأقوامهم ومحمد قدوة للعالمين لذا وجب صقله وتمليحه من العناية الربانية له.
* عناصر دلالة لفظ (العصمة) الشرعية
1 ـ الدليل، وهو المرشد لنا إلى المدلول، ويشترط في الدليل تصور المدلول تصويراً جيداً إلا أخطأ، والنبوة هي إسناد مسنِدها الله سبحانه إلى بعض من اصطفاؤه نبياً فيكون هذا النبي مسنَداً إليه، قال سماحة العلامة مفتي عام السلطنة:(التصوير دائماً ما يكون أقل من التصور) وهذه كلمة من ذهب ويخرج من ذلك تصوير القرآن والسنة.
2) المدلول، وهو ما دلّ عليه الدليل بوضوح.
وإذا سقط أحدهما سقطت الدلالة وبان الكذب وانهدمت النبوة لكن ذلك لم يحدث فأرانا الله صدق النبوة، وفي الواقع هناك من الناس وافق على صدق النبوة في حين الآخرون رفضوا، فسبحان الله العظيم.
* صاحب الكرامة
إن صاحب الكرامة لا يُعدُّ نبياً لأنها غير مقرونة بالتحدي، ومثال على ذلك: كرامة العفريت من الجن في مقام سليمان ليس بنبي لأنه لم يستطع قلب حقيقة إلى أخرى وأنما قصارى ما استطاع هو عرض الحركة والقوة فقد كانت حركته سريعة جداً في الإتيان بعرش بلقيس وقوياً جداً حين استطاع حمله، وكذلك كرامة آصف بن برخيا الذي جاء بالعرش بلحظة، قيل إنه كان يعرف اسم الله الأعظم.
* دلالة المعجزة على النبوة
أما معجزات النبي الحسية والعقلية فشملت خرق العادة وقلب حقيقتها إلى حقيقة أخرى من دون سبب, لا نعرفها إلا بإسنادها إلى الله الخالق وكل المعجزة تستلزم صدق مدلولها من إقرار نبوة النبيين، وفي الغالب لا يحدث اختصاص النبي بمعجزة ما, بحيث لا تحدث بعينها لنبي آخر، أما القرآن الذي خرق عادة الكلام بأسلوبه المعجز ولم يستطع أن يعارض حتى بعد 15 قرناً لاستحالة ذلك، ولقد اختص به محمد سيد البشر سيد بني آدم، وقد كان ويكون وسيكون دليلاً وبرهاناً بالبداهة على صدق نبوة محمد، أما أصحاب الكهانة والشعوذة والكذبة المخترعون فهم أهل باطل وشيطنة، فيهينهم الله في الدنيا والآخرة، ولقد بصق مسيلمة الكذاب في بئر جف ماؤها قليلاً وأرادها أن تجري فجفت تماماً، وبصق في عين أعور ليزيل العور منها فإذا صاحبها عمى كاملاً.