[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”.. الهلع الكبير الذي بدأ يدب منذ زمن ليس بالقصير داخل الدولة العبرية وفي صفوف الأحزاب الصهيونية من حقيقة المسألة الديمغرافية الجارية تلقائيًّا فوق أرض فلسطين التاريخية، شكل الحجة الأقوى لدى دعاة بناء جدار الفصل العنصري، بمن فيهم حزب العمل "الإسرائيلي" وبعض أقطاب "اليسار الإسرائيلي الصهيوني" لدفع المسألة خطوات متسارعة نحو الإنجاز.”
ــــــــــــــــــــــــ
استند دعاة الفصل وبناء الجدار العنصري الفاصل بين الضفة الغربية وحدود العام 1948، في "إسرائيل" إلى المسألة الأمنية، وإلى المسألة الديمغرافية، التي تقول من وجهة نظرهم بضرورة فصل المواطنين العرب الفلسطينيين داخل حدود العام 1948 عن المواطنين الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة حرصاً على استمرار التفوق الديمغرافي اليهودي في الدولة العبرية، وعلى عبرية الدولة الصهيونية داخل حدود العام 1948 والأراضي التي تسعى "إسرائيل" لضمها أو "تبادل الأراضي معها" في مسار عملية التسوية المتوقفة أصلاً مع الفلسطينيين.
فالهلع الكبير الذي بدأ يدب منذ زمن ليس بالقصير داخل الدولة العبرية وفي صفوف الأحزاب الصهيونية من حقيقة المسألة الديمغرافية الجارية تلقائيًّا فوق أرض فلسطين التاريخية، شكل الحجة الأقوى لدى دعاة بناء جدار الفصل العنصري، بمن فيهم حزب العمل "الإسرائيلي" وبعض أقطاب "اليسار الإسرائيلي الصهيوني" لدفع المسألة خطوات متسارعة نحو الإنجاز.
ففي الموضوع الديمغرافي الذي يلقى اليوم اهتماماً "إسرائيليًّا" مُتزايداً، فإن التقديرات التي تعطيها مُختلف المصادر "الإسرائيلية"، تُشير إلى أن أغلبية يهودية الآن موجودة بين الأردن والبحر الأبيض المتوسط بنسبة (51%)، وأن هذه النسبة ستصبح (47%) في العام 2020، وفي العام 2050 ستكون (37%) فقط، لتهبط بعد ذلك إلى حدودٍ تصبح فيها الأغلبية العربية الفلسطيني هي السائدة، الأمر الذي يهدد هوية بل ووجود الكيان العبري برمته وفق تقديراتهم.
ومن المعلوم، أن التجمع اليهودي على أرض فلسطين التاريخية (داخل حدود العام 1948 + داخل مستعمرات الضفة الغربية ومناطق القدس الشرقية) بات تجمعاً لشعبٍ هرم (أكثر من نصفه من المسنين تقريباً ممن تجاوز عمر الــ 50 عاماً)، وهو في مرحلة تراجع عددي مُطرد (ولو ببطء) على جبهة المواجهة الديموغرافية القائمة فوق أرض فلسطين التاريخية مع شعب فلسطيني فتي، يُشكل الأطفال ومن هم في سن الفتوة الشباب نحو ثلثيه، وتتمتع نساءه بقدرة إنجابية عالية هي الأعلى في مقاييس النمو السكاني في العالم، وتحدد القدرة الإنجابية للمرأة بعدد الحالات الإنجابية المتوقعة عندها خلال عمرها الخصيب، وهي بالحالة الفلسطينية تصل إلى حدود الرقم ثمانية.
إن الهجرة الكولونيالية الاستيطانية اليهودية التي كانت على الدوام بمثابة العامل الحاسم للزيادة السكانية في أوساط يهود "إسرائيل"، باتت بدورها مُهددة بأن تكون عاملاً أقل شأناً في ازدياد عدد السكان اليهود في فلسطين المحتلة من عامل التكاثر الطبيعي عند شعبٍ هرم، نسبة خصوبة النساء الولودات فيه تندرج في قائمة الزُمر الأقل خصوبة في العالم. فمستودع الهجرات اليهودية الكولونيالية لفلسطين المحتلة قد شارف على النضوب، ولم تعد الهجرة اليهودية لفلسطين عاملاً حاسماً في تقرير الخريطة الديمغرافية السكانية على امتداد أرض فلسطين التاريخية.
إن مشهد التجمعات اليهودية الرافدة للهجرة لفلسطين والتي كانت توصف منذ الستينات والسبعينات بالتجمعات اليهودية "غير المستقرة" في العالم، لم يعد منظوراً على خارطة التوزع الجغرافي لليهود في العالم بعد إفراغ الخزان البشري للتجمعات اليهودية "غير المستقرة" في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق ودول أوروبا الشرقية (روسيا، مولدافيا، جورجيا، ودول البلطيق الثلاث..) واستجراره إلى فلسطين المحتلة على امتداد العقد الأخير من القرن المنصرم. وبالتالي باتت الهجرة الكولونيالية الاستيطانية الإجلائية التي اعتمدت تاريخيًّا على استغلال ظاهرة عدم الاستقرار في بعض التجمعات اليهودية الكبرى في العالم، تعتمد على جيوب في تجمعات يهودية هامشية، أو على تجمعات يهودية متدينة صغيرة عدديًّا كما حصل مع يهود أثيوبيا (الفلاشا) على سبيل المثال، وكما تجري الآن محاولات للتفتيش عن مجموعات بشرية يهودية في الهند وغيرها من بلدان العالم. وهي جيوب لا يمكن الاعتماد عليها في نظام الهجرات الكولونيالية الاستعمارية الإجلائية التهويدية التي تحتاجها الدولة العبرية الصهيونية.
إن مُعدل الهجرة الاستيطانية التهويدية السنوية الوافدة إلى فلسطين المحتلة قد انخفض، فيما تقول المصادر "الإسرائيلية" بأن حاجة "إسرائيل" الملحة ما زالت تدور نحو معدل هجرة يهودية صافية قوامها (50) ألف مهاجر يهودي لفلسطين كل سنة لتخفيف الخلل السنوي في الميزان الديمغرافي، وذلك مع توافر شرط عدم وجود هجرة يهودية سلبية أو "معاكسة". وعلى هذا الصعيد الأخير لا بد من التذكير بأن ظاهرة الهجرة اليهودية المعاكسة قد وصلت خلال السنوات الأخيرة إلى معدلات سنوية مُتقاربة مع المعدلات السنوية للهجرة اليهودية الوافدة إلى فلسطين المحتلة. حيث باتت بلاد الأصل بالنسبة لليهود هي المكان الأفضل لهم، بعد مجموعة التحولات الكبرى التي جرت وما زالت تجري تفاعلاتها وتداعياتها في عموم منطقة الشرق الأوسط بالرغم من القوة الطاغية التي تتسلح بها الدولة العبرية، وسياسات الغطرسة والعنجهية التي تواجه بها عموم دول المنطقة.
ووفق الوارد أعلاه، فإن ما يعرف بـ "مجلس الأمن القومي الإسرائيلي" وفي إطار تقاريره السنوية، والتي يعرض فيها "تقييمات للوضع الأمني القومي الإسرائيلي" دعا إلى تبني العودة إلى ترسيم الحدود في المفاوضات مع الفلسطينيين بناء على "الميزان الديمغرافي ـ الأمني"، باعتباره السبيل الوحيد لـ "ضمان قيام دولة يهودية وديمقراطية بعيدة الأمد" على حد ما جاء في توصيات تقارير "مجلس الأمن القومي الإسرائيلي" المنشورة على صفحات بعض المطبوعات والصحف العبرية.
كما وطرح تقرير آخر من تقارير المجلس المرفوعة للحكومة "الإسرائيلية" في الفترات الأخيرة، ثلاثة مفاهيم أساسية، تقول بأن على "إسرائيل"المبادرة إلى الحسم فيها خلال السنوات القادمة : فإما أن تتفق مع الفلسطينيين على إقامة دولتين: دولة فلسطينية صافية على أراضٍ من الضفة الغربية وقطاع غزة (لاحظوا على أراضٍ وليس على أراضي الضفة الغربية). ودولة "إسرائيل" بتكوينها الحالي. وإما تبادر إلى الانفصال عنهم واستكمال الجدار الفاصل جغرافيًّا وسياسيًّا وبشريًّا. وإما أن تُقرر قيام دولة واحدة ذات سيادة، دولة "ثنائية القومية" (ونحن هنا نتحفظ على عبارة قومية بالنسبة لليهود، فاليهودية دين وليست قومية). ويوصي "مجلس الأمن القومي الإسرائيلي" بالحل الأول باعتباره أفضل الحلول بالنسبة لمستقبل الكيان العبري الصهيوني على أرض فلسطين.