[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]

على الرغم من المشاعر المختلطة بين التفاؤل والتشاؤم والمواقف المتباينة والتي خيمت ولا تزال تخيم على أجواء مؤتمر جنيف الثاني، فإن المؤتمر كان مناسبة تاريخية يفرق فيها كل موقف حكيم، لتنتصب قامة من بين المشاركين لتدك حصون النفاق والكذب والتزييف للمتآمرين على سوريا ومن معهم من العملاء والدمى، إنها قامة المحنك وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي سكب ماءً باردًا على رؤوس الفتنة والتآمر، متوشحًا وطنيته المشحونة ولاءً وانتماءً وغيرةً على سوريا وشعبها، معطيًا درسًا مجانيًّا في كيفية مواجهة الخصوم في سوق نخاستهم بالحكمة والدبلوماسية الرصينة، كيف لا؟ ومعروف عن المعلم أنه معلم يمتطي الهدوء ليستجمع فيه أفكاره ويرتبها ليقدمها من بعد في قوالب لغوية تصدح قوة ودلالة، ويتوسد عقلًا بانت رجاحته في قذائف استدلالاته ودقة صوابها وتصويبها على الهدف، ويلتحف حكمة برزت في مقارعة محاولات السطو على ما هو شرعي وحق أوحد وحصرًا للشعب السوري مرفوض التطاول عليه جملةً وتفصيلًا، والمعلم أكد أنه في كل محفل يفترش دهاء الأمويين، فتحولت العشر دقائق الممنوحة له من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ليلقي خلالها كلمته إلى حوالي أربع وثلاثين دقيقة.
ولعل ما زاد تلك الجوامع في وفد سوريا الممثل الشرعي وفي رئيسه والمواجه لأطراف معسكر المؤامرة وممثلي الإرهاب وداعميه، هو واقع الميدان المتحول بصورة لافتة لصالح الشعب السوري الرافض للإرهاب والملتف حول جيشه الباسل الذي أصبح يمسك بزمام المبادرة ويصنع الحدث بدحره العصابات الإرهابية وتأمين القرية أو الحي لعودة الأهالي، وبمطاردته فلول تلك العصابات في المدن السورية وأريافها وتطهيرها من دنس الإرهاب والتكفير والظلام وأساليب وممارسات الجاهلية الأولى، ما جعل عصابات الإرهاب الممولة من قبل معسكر المؤامرة تفني بعضها بعضًا، مقدمةً برهانًا لا يقبل الشك على صدق المؤامرة وكذب "الثورة" وادعاء "نصرة" الشعب السوري، فشتان بين صاحب الحق ومالكه ومتسلح به، وبين مدَّعٍ له، أراد بادعائه المتاجرة بدماء السوريين وحقوقهم مقابل وريقات خضراء تعبر عن قذارة دافعيها وحقدهم وكراهيتهم وأفكارهم الامبريالية والاستعمارية، وعن أيديولوجياتهم الشاذة والمنحرفة والإقصائية، وغير المتجانسة مع الفطرة الإنسانية السليمة والسوية.
إن مؤتمر جنيف الثاني ـ بغض النظر عن مآلاته نجاحًا أو فشلًا ـ يفتح الطريق أمام الآفلين طوعًا وقسرًا عاجلًا أم آجلًا، في الوقت الذي تميل فيه موازين الأرض بصورة ملحوظة لصالح الدولة السورية، فما كان بالأمس حرامًا ومرفوضًا أصبح اليوم وغدًا واجبًا ومطلوبًا، حيث كان بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في المشهد السياسي السوري من المحرمات والمحظورات، ورحيله شرطًا لأي تفاهمات، لكن ترشحه اليوم لفترة رئاسية جديدة من المباحات، بل من الواجبات والاشتراطات المقدمة بداية من الشعب السوري إلى شخص الرئيس بشار الأسد، وهذا المطلب ما كان له أن يكون ويأخذ شرعيته ويزداد قوةً وتأثيرًا لولا حالة الانكشاف لحقيقة المؤامرة أمام أعين الشعب السوري الذي أذاقه الأمرَّيْن المتاجرون بدمائه وعصابات إرهابهم، فأصبح يتلوى بين مُرِّ التشريد والتهجير وعلقم القتل والتنكيل والتدمير، ويصبح ويمسي على صور مرعبة وعديدة لا تشير من قريب أو بعيد إلى المبادئ والقيم الإنسانية والأخلاقية، وإنما هي صور لوحوش سُمِّمَتْ أفكارها وغُيِّبَ وعيها وخُلِعَتْ عقولها من رؤوسها وأُمِيتَتْ ضمائرها، مبدأها وعقيدتها التكفير، وأسلوبها القتل والسلخ وتقطيع الرؤوس والاغتصاب والتدمير، والسلب والنهب للأغذية والحبوب وحرق المزارع والصوامع.
القراءة الأولى لمؤتمر جنيف الثاني تشي بأن مرحلة الفك والتركيب للعصابات المكونة للجسد الإرهابي بين ما يسمى "داعش" و"جبهة النصرة" و"الجبهة الإسلامية" وغيرها لم تكن سوى مقدمة لانعقاده، لكن المؤتمر بدا قبيل وأثناء التآمه أنه رقعة شطرنج تحاول كل من روسيا والولايات المتحدة ومن معهما من الأحلاف إحراز تقدم لصالحها. والواضح أن الولايات المتحدة ومن معها تدرك أنها ذاهبة إلى المؤتمر خالية الوفاض، ولكنها تحاول عبر دماها في ما يسمى "الائتلاف" أن تجيِّر جنيف بالشكل الذي يسمح لها بالمناورة وكسب الوقت من جديد لمواصلة عملية التدمير والإنهاك لسوريا وإضعافها، ومحاولة تيئيس الشعب السوري من حل الأزمة، بما يؤدي إلى ردات فعل تجاه قيادته، اعتقادًا منها أن ذلك سيضعف شعبية الرئيس السوري بشار الأسد، ولذلك تحاول واشنطن عبر دماها أن تركز على الجوانب الإنسانية بالحديث عن المساعدات وفتح الطرق وإدخال قوات دولية بعيدًا عن المقترحات والالتزامات التي قدمها الجانب السوري، والهدف من ذلك واضح وهو وضع حد لانتصارات الجيش العربي السوري وعرقلة تقدمه، وإعادة انتشار وتموضع للعصابات الإرهابية إلى المناطق التي هربت منها خوفًا من ضربات الجيش العربي السوري، وهذا المخطط يعيد إلى الأذهان ما سمي بالخطة العربية التي قدمتها جامعة الدول العربية وإرسال بعثة المراقبين العرب إلى سوريا والتي لم تكن إلا ستارًا لإخفاء عمليات تهريب الإرهابيين والسلاح وتخزينه، وهو ما تحسب له دمشق ألف حساب، مصرة على أن الأولوية لحل الأزمة هو مكافحة الإرهاب ومنع تجنيد الإرهابيين والتكفيريين والمرتزقة وتسليحهم وتهريبهم إلى الداخل السوري، وتحقيق الهدوء للانطلاق نحو حوار سوري ـ سوري، وهذا ما يرفضه معسكر المؤامرة والعملاء والأدوات؛ لأن الباحثين عن نصيب من الكعكة السورية سيفقدون نصيبهم، لكن ماذا لو فشل هذا السيناريو؟ من الوارد أن يعمد عملاء الولايات المتحدة ودماها إلى تعمد إفشال المحادثات واتهام الحكومة السورية بذلك، وبالتالي العودة إلى المربع الأول، فكل الإرهاصات تشير إلى ذلك، بدليل الإصرار على استبعاد إيران والمعارضة الوطنية في الداخل السوري، والاكتفاء بعدد من الدمى في ما يسمى "الائتلاف" لأداء الدور العميل.
طبعًا يبقى مصير السيناريو الأميركي كغيره من السيناريوهات السابقة مرهونًا بصمود الشعب السوري، وببطولة الجيش العربي السوري ومواصلة تحقيق الانتصارات المتوالية وتطهير سوريا من دنس الإرهابيين، وحينئذ ستغدو الحاجة إلى مؤتمر جنيف أو دمشق ملحة لمن سلكوا الطرق الخاطئة. وقد ظهر هذا جليًّا في شموخ وليد المعلم سفير الدبلوماسية السورية وبقية أعضاء الوفد، على عكس الأتباع والعملاء والدمى التي أخذ السفير الأميركي روبرت فورد يرتبها ويضعها على الكراسي، كما يفعل المعلم في الفصل بتنظيم طلابه الصغار في حلقات التعليم الأولى.