جودة مرسي:
أعلنت شركة موديرنا الأميركية عن توصلها لأول لقاح لفيروس كورونا المستجد (كوفيدا -19) ونجاح أول تجاربها السريرية، وجاء في الإعلان أن اللقاح آمن وقادر على توليد أجسام مضادة وتحفيز استجابة مناعية ضد الفيروس ومنع تكاثره، يأتي هذا الإعلان انسجاما للحالة التي يعيشها العالم وانشغاله بتكريس جهوده وانكباب العلماء داخل المختبرات العلمية من أجل ابتكار لقاح للمرض لمنع الإصابة به أو عقار لمعالجة المصابين، وتبدو المسألة عبارة عن وقت، سيتوصل العلم لمستهدفاته، لكن النجاح الحقيقي في أزمة كورونا ليس في تصفير قوائم الإصابات اليومية، أو في اللقاحات، أو العقاقير، أو الأمصال، أو الحد من المخاطر الصحية التي يسببها الفيروس، أو تزايد حالات الشفاء، إنما الكشف عن المريض رقم "صفر"، وهو ما أخفقت فيه المنظومة العالمية، ربما عن قصد أو دون قصد.
بطبيعة الحال أن أزمة كورونا يكمن مفتاحها في الوصول للحالة الأولى، وتعقبها، ودراستها، ومعرفة كيفية إصابتها، والأعراض الأولى التي ظهرت عليها، ومصدر الإصابة، وهو ما يسهل معه الوصول للفيروس في طوره البدائي قبل أن يتطور أو يتمحور وفق المستجدات في الدول المختلفة، وقبل التكيف مع البيئات المتنوعة سواء الباردة أو الحارة.
الآراء العلمية تقول إن فيروس كورونا يقضي فترة حضانة داخل جسم المصاب تصل لأسبوعين قبل ظهور الأعراض، وهو ما يصعب معه معرفة المريض رقم "صفر"، ومن ثم يستحيل تتبع سبل انتشاره ومسارات نقل العدوي، إضافة إلى أن ظهور الأعراض تختلف من حالة لأخرى حسب جهاز المناعة وعمليات الأيض التي تختلف من جسد لآخر، والصعوبة الأكبر هو أن الحالة ربما تكون قد فارقت الحياة.
وحسب المعلن في وكالات الأنباء، تم تسجيل أول حالة في مدينة ووهان الصينية في 8 ديسمبر الماضي، وبعد ثلاثة أسابيع أخطرت الصين منظمة الصحة العالمية بأن سببا مجهولا يصيب الإنسان بالالتهاب الرئوي، قبل إعلان السلطات الصينية ظهور حالات مشابهة في سوق المدينة للمأكولات البحرية، والأنباء المتواترة عن انتقال الفيروس من الخفافيش، ومن ثم توجهت الأنظار صوبها كعائل للفيروس، لكن على الرغم من هذا لم يتم التوصل للحالة "صفر".
وأفادت تقارير إعلامية لاحقة أن أحد المرضى الصينيين ظهرت عليه أعراض المرض أول ديسمبر ولم يكن على تواصل بسوق مدينة ووهان، ونفى تشونغ نان شان، كبير علماء الأوبئة بالصين أن الفيروس له علاقة بالمدينة من الأساس، وكشفت عدة دول منها إيطاليا والولايات المتحدة وإيران وفرنسا وإسبانيا عن ظهور أولى حالات فيها في الأسبوع الأول من يناير الماضي، قبل أن يتفشى الفيروس بصورة لافتة في هذه الدول، ورجحت السلطات فيها انتقال العدوى من سائحين صينيين.
ونشرت تقارير صحفية الأسبوع الماضي أن الفيروس أصاب رياضيين شاركوا في الأولمبياد العسكرية التي أقيمت بالصين في أكتوبر الماضي، وبالتالي أدحضت جميع الفرضيات السابقة عن الحالة رقم "صفر"، وتزيد الأمر تعقيدا، لانهيار فرضية وقت ظهور الفيروس وفقد جزء من تسلسل جيناته في رحلة إيجاد جذور شجرة العائلة الجينية الخاصة به.
الأمر يبدو صعبا جدا، ويكشف عن سقوط المنظومة العالمية لرصد الأمراض والأوبئة، لكن المستفاد أنه يجب تطوير هذه المنظومة وربطها بمختلف دول العالم عبر شبكة مركزية تضم منشآت الصحة في كل الدول تقودها منظمة الصحة العالمية، ويتم إدراج الحالات المرضية والأعراض أولا بأول، وعمل استبيان يومي لكل ما هو جديد عن المسببات المرضية، وتشكيل لجان علمية لدراسة تتبع مسارات الأعراض والأمراض المستجدة، والتوجيه بأفضل السبل لحصار الأوبئة في مهدها، ووقتها بالتأكيد يمكن الوصول للحالة "صفر" عبر قوائم المرضى ذوي الأعراض الجديدة والمتشابهة، ومقارنة أوقات ظهور المرض، والمشاركة العلمية للبيانات والتسلسل الجيني، وعزل المصابين، وحصار الفيروس، ودراسته جيدا، والقضاء عليه، ووقتها ستتعاظم أهمية اكتشاف الحالة رقم "صفر".