إن الدعاء فطري في الإنسان فهو يشعر بحنين إلى الله تعالى يفزع إليه عند الشدائد ويتضرع إليه في الملمات فالإنسان ضعيف أمام أحداث الحياة لا يجد سندا لضعفه غير الدعاء، إن الله تعالى قريب قربا معنويا من الداعين إنه أقرب إلى الإنسان من كل ما يتصور يقول الله تعالى في (سورة ق الآية 16): (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد).
فعلى الإنسان أن يستشعر قرب الله تعالى وأن يتوجه إليه بكل جوارحه فهذا هو السبيل للنجاح وقد بين الله تعالى مما لا شك فيه أن الاستغفار من أسباب السعة في الرزق وكان الإمام الشافعي رحمه الله في مجلسه فجاءه رجل يسأله أن يدعو الله أن ينزل المطر فقال له استغفر الله وجاءه آخر يسأله أن يدعو الله له أن يهبه مالا فقال له استغفر الله وجاءه ثالث يسأله أن يدعو الله له أن يرزقه البنين فقال له استغفر الله فقال الحاضرون يا إمام ما عندك غير الاستغفار فقال أما سمعتم قول الله تبارك وتعالى في (سورة نوح الآيات 10ـ11ـ 12):(فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا).
والدعاء من الموضوعات الروحية المحببة إلى النفوس لأن الدعاء ملاذ كل مكروب وأمل كل خائف وراحة كل مضطرب به يجأر الإنسان إلى خالقه في كل وقت وحين لا سيما عندما تشتد الكروب وتنقطع الأسباب وتعجز الحيل فيشعر بالراحة النفسية والطمأنينة القلبية وقد أمر الله تعالى عباده أن يدعوه ووعدهم بالإجابة فقال تعالى في (سورة غافر الآية 60): (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) فبنظرة تأمل في الآية الكريمة تجد أن الله تعالى قال إن الذين يستكبرون عن عبادتي ولم يقل عن دعائي جعل الله تعالى الدعاء عبادة ومن يستكبر عن الدعاء سيكون من أهل جهنم والعياذ بالله الأمر الذي جعل النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) يقول: (الدعاء هو العبادة) ـ رواه الترمذي وأبو داود وأحمد وغيرهم وفي رواية (الدعاء مخ العبادة) أي: جوهرها ولبها لأنه اعتراف كامل من الداعي لربه بأنه هو القادر على تحقيق سؤاله وإقرار منه بعجزه وأنه محتاج إلى عون الخالق ورعايته ليعطيه ما عجزت عنه قوى البشر وفي ذلك أعلى مظاهر الخضوع والعبودية لله الواحد القهار.
ولقد بين لنا النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) أن فضل الدعاء عند الله تعالى يسبق كل فضل وأن الإكثار من الدعاء طريق إلى رحمة الله تعالى ورضوانه فعن معاذ عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:( لن ينفع حذر من قدر ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم بالدعاء عباد الله) ـ الترمذي وأحمد.. ومن فضائل الدعاء أنه لون من ألوان ذكر الله تعالى والتقرب إليه وذكر الله هو طب النفوس ودواؤها وعافية الأبدان وشفاؤها به تطمئن القلوب وتنفرج الكروب وتغسل المعاصي والذنوب وقد مدح الله تعالى الذاكرين له في كثير من آيات القرآن الكريم فقال تعالى في (سورة الأحزاب الآية 35):(.. والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) وعن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) ـ صحيح البخاري.
والمعنى أن العبد إذا تقرب إلى الله تعالى بالقليل من الطاعة منحه الله تعالى الكثير من الرعاية والمغفرة فليس المراد بالشبر والذراع والمشي والهرولة تلك المعاني المحسوسة وإنما المراد أن إقبال الله على عبد بالإحسان والرحمة أشد من إقبال العبد عليه، وأعظم من عمله له، والإكثار من ذكر الله تعالى واستغفاره والتوبة إليه من أسباب استجابة الدعاء وقد أمر الله تعالى عباده أن يكثروا من ذكره فقال تعالى في (سورة الأحزاب الآيتين 41، 42):(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا)، وقد بشر النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) الذاكرين الله بقلب سليم ببشارات متنوعة فقد أخبرهم بأنهم هم السابقون إلى الخيرات فعن أبي هريرة قال كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال سيروا هذا جمدان سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات) وأخبرهم ثانيا بأنهم هم الأحياء على الحقيقة فعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) قال:(مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت) ـ صحيح البخاري وبشرهم ثالثا بأن مجالسهم روضة من رياض الجنة وأن رحمة الله تتغشاها من كل جانب، فقال (صلى الله تعالى عليه وسلم):(.. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ...) ـ صحيح مسلم.
ولقد كان النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) يكثر من التوبة والاستغفار وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال الله تعالى في أول سورة الفتح: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر)، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) قال: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) ـ صحيح البخاري، وقال أيضا (صلى الله تعالى عليه وسلم): (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب) ـ سنن أبي داود، ومن رحمة الله تعالى وتيسيره على عبادة جعل ذكره يتناول كل طاعة من الطاعات فالعبادات ذكر لله والصلاة على النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) ذكر لله وتلاوة القرآن ذكر لله والتهليل والتحميد والتسبيح والتكبير ذكر لله تعالى.
أخي القارئ الكريم: إن من آداب الدعاء أن يغتنم الداعي الأوقات الفاضلة والأحوال الشريفة كيوم الجمعة الذي أخبرنا عنه النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) أنه خير أيام الأسبوع فعن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم (صلى الله عليه وسلم):(في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي فسأل الله خيرا إلا أعطاه) ـ صحيح البخاري.
ومن الأوقات الشريفة التي ينبغي للمسلم أن يتحراها ويجتهد فيها بالدعاء عند السجود بين يدي الله تعالى وبين الأذان والإقامة وعقب الصلوات وعند نزول المطر وعند زحف الصفوف للجهاد وعند رؤية الكعبة المشرفة وفي شهر رمضان وفي ليلة القدر .. وغيرها من الأوقات.
.. هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

أنس فرج محمد فرج