[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/nawafabohyga.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]نواف أبو الهيجاء[/author]
كل رجل تاريخي يحظى بالاثنين معا (من يحب ومن يكره) .. وياسر عرفات ليس استثناء من هذه القاعدة. والقائد المؤثر في الأحداث ـ سلبا أم إيجابا ـ يمكن أن يظلم من يخلفه إن جرت المقارنة. أبو عمار أيضا ليس استثناء وكذلك الرئيس محمود عباس. ياسر عرفات قاد معركة النضال الفلسطيني لما لا يقل عن أربعين عاما..
في الوسط الفلسطيني المتداخل والمتشابك كانوا يقولون إنه (يمسك العصا من الوسط) .. كما أن منتقديه لم يجدوا إلا (اتفاقية أوسلو) كأحد أهم أخطائه أو خطاياه.
الحقيقة أن أبا عمار كان قارئا جيدا للحدث ولصورته داخليا وعربيا ودوليا. أذكر أنه قال لي شخصيا في عام 1969، حين كان الحديث جاريا عن مشروع وزير الخارجية الأميركي (روحرز) (يعطونني مترا في أريحا أرفع عليه العلم الفلسطيني أنا موافق؛ لأن المتر يصبح اثنين ولأن الاثنين يصبحان أربعة ..الخ من المتواليات الرقمية). وحين قلت له )أنت لا تلعب وحدك هؤلاء صهاينة وفيهم محنكون ومخططون كثر قال هم أيضا لا يلعبون وحدهم).
بمعنى أن قراءة دقيقة لما حدث في (أوسلو) تكشف أن عرفات سار على المبدأ ذاته إذ تمت تسمية الاتفاقية بادئ ذي بدء (غزة أريحا). حققت الاتفاقية للفلسطينيين عودة عشرات الآلاف من الكوادر والقيادات إلى الضفة والقطاع وانتزعت اعترافا من قبل الكيان الصهيوني بشرعية (منظمة التحرير الفلسطينية) وهي التي كان أبو عمار رئيسها أيضا إلى جانب رئاسته حركة (فتح).
تعرض أبوعمار لضغوط كثيرة جدا كما في سبتمبر/أيلول في الأردن، وكما حدث في لبنان إبان الاجتياح عام 1982. والوضع العربي عموما انتقل من (لاءات الخرطوم) إلى (نعمات) المبادرة العربية التي أقرت ببيروت بعد الخروج الفلسطيني من لبنان بعشرين عاما.
إلى ذلك بقيت السمات القيادية لأبي عمار فلسطينيا في مكانها ثابتة. كان الرجل يحظى باحترام وتقدير أوسع قطاعات الشعب الفلسطيني، ولم يقدر أي قيادي فلسطيني على انتزاع ما انتزعه أبو عمار من ثقة الشعب الفلسطيني سوى القيادي المرحوم (جورج حبش) وبنسبة معينة ومحددة. كما أن بروز التيار الإسلامي بقيادة (حماس) و(الجهاد الإسلامي) ما كان ليؤثر كثيرا في ثقة الفلسطينيين به. بيد أن قيادته اهتزت حين لم يتم تحقيق أي منجز فعلي رسمته (أوسلو) ـ أي قيام الدولة بعد خمس سنوات من إبرام الاتفاقية حيث كان مقررا أن يكون عام 1999 عام الدولة الفلسطينية. ولكن الرجل استعاد هيبته واحترامه في تبنيه خيار العودة للكفاح المسلح إبان الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) ورفضه التوقيع على أي اتفاقية تسد المنافذ أمام قيام شعب فلسطين بممارسة حقه في الكفاح المسلح لاسترداد ما سلب منه. إن رفضه التوقيع في كامب ديفيد على مشروع اتفاقية تعتبر ما يحصل عليه الفلسطينيون من أرض لدولة هو الحل النهائي ربما كان سببا رئيسيا في قرار التخلص منه .. بمحاصرة المقاطعة ومن ثم الإجهاز عليه تدريجيا.
يقال إن الأنظمة العربية عموما خذلت أبا عمار في تلك الوقائع. وهذا فيه كثير من الصحة. لكن غيابه على النحو المعروف سجل على أنه (اغتيال) ليعلنه الشعب الفلسطيني شهيدا كقائد تاريخي.
وإذا كانت الأعمال بالنيات فإن (أوسلو) كغلطة لا تعني استسلام الرجل بقدر ما تعني المراهنة على الزمن وعلى قدرة شعب فلسطين على النضال وتقديم التضحيات حتى التحرير والعودة. لكن الاتفاقية كانت وبالا على الفلسطينيين الذين يعانون إلى اليوم من نتائجها وفي المقدمة منها (التعاون والتنسيق) أمنيا مع الاحتلال. وهي شكلت عبئا ثقيلا على من جاء خلفا لياسر عرفات من زاويتين الأولى التمسك بها وباشتراطاتها، والثانية هو الفشل في تعبئة فراغ تركه غياب الرجل القائد برحيله على النحو المعروف.
إن أخطاء القادة المهمين والتاريخيين غالبا ما تكون قاتلة أو معرقلة لمسار النضال، وهذا ينسحب على خطيئة ياسر عرفات (أوسلو) التي ربما كانت الخطيئة الوحيدة في سجله الحافل بالإنجازات الفلسطينية والكفاح لاسترداد الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني.