درج الكثيرون من المهتمين باللغة و حفظتها على الإشارة إلى الاستخدام السليم للألفاظ ، أو النطق الصحيح لها مكتفين غالباً بذكر الوجه المستعمل من غير تعليل أو إيضاح مقنع ، مما يضفي على هذا الأسلوب طابع التلقين ، ويغفل مكانة التذوق اللغوي وأُلفته ، فلا تثبت في النفس خصائص العربية العامة التي بها يقتدى ويستأنس ، أو عليها يقاس .
يقولون لك مثلا أن ما كان بوزن فَعْلَة ( بفتح الفاء ) يدل على المرة نحو : وقفة، ودفعة ، وما كان بوزن فِعْلَة ( بكسر الفاء ) يدل على الهيئة والحال نحو : مشية ، وإكلة ... ولكن مثل هذا الحكم أو التقيد يحتاج إلى بيان ، إذ قد يجيء من الأولى ما لا يدل على ذلك نحو : الزحمة ، والحيرة ، والغيرة . فهذه مصادر لا تدل على حدوث الشيء مرة واحدة. كما أن هناك ما يدل على الواحدة وهو لا يتفق مع هذا الوزن ، نحو قولك : القُبْلة لواحدة القبل ، والدفعة نحو : احتفلت كلية العلوم التطبيقية بتخريج الدفعة الأولى من حملة الشهادة الجامعية وأصل ذلك للدفعة الشديدة من المطر . وتقول : السورة للواحدة من سور القرآن الكريم .
ولعل أحدا لا يخطئ في نطق مثل هذه الألفاظ الشائعة بكثرة ، لكن ربما وقع خطأ النطق في بعضها النادر كقولهم : الكَوْمة من التراب ، وهي في الحقيقة ( الكُومة ) بالضم ، لما تجمعه من التراب في كتلة وترفع رأسها . أي على وزن الصورة ، واحدة الصور . وينبغي ألا يغرب عن البال أن هناك أسماء أيضا تجيء على هذا الوزن ولا تدل على المرة ، أو الواحدة ، نحو : الكوفة ، والبومة ، والنوبة لجنس من السودان ، ثم صار يطلق على المكان الذي أقاموا فيه ، والغوطة لموضع في الشام .
وتلتبس هذه الصيغة ( فعلة ) على بعض المذيعين فيقول : ولنا وِقفة عند كذا ، ولا مسوغ لهذا ، إنما هي بالفتح لأنها للمرة وليست للهيئة . لكن ما قد يكون محل تساؤل من هذا هو ما نسمعه من مثل قولهم : رعدة ، ورعشة ، وهزة ( وكلها بالكسر ) ولا هيئة منها ، ولعل مجيئها على هذا النحو يرجع إلى أنها تدل على حركة مستمرة غير منظورة بوضوح ، أي أن المرة منها لا تكاد تتحقق كالجلسة ، والوقعة . ولذا تتخذ مفهوم الاسم ، فيقال : الرعدة : الاسم من الرعد . وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الصيغة ( الفِعلة ) قد تجيء لتدل على الجمع نحو : الثيرة جمع ثور ، والجيرة جمع جار ، والقيعة : جمع قاع . ولكن مجيئها في الاسم أكثر نحو : الريبة : الشك ، والغيبة : الاسم من الاغتياب ، والسيرة : الاسم من سار بسيرة حسنة ، والحيلة : الاسم من الاحتيال ، والجيزة : الناحية من الوادي ، والحيطة : وهي الحياطة والاحتياط ، وأصلها واوي ، والرزمة : وهي الحِزمة من الثياب أو الكارة .
وعلى النقيض مما قيد النحويون قد يجيء وزن الفعلة ( بالكسر ) ليدل على الواحدة مع أنه أصل للهيئة ، وذلك نحو : الريشة ، لواحدة الريش ، والتيمة : الشاة تكون للمرأة تحلبها .
أما الدِّيمة فليست المطرة أو الغيمة ، كما يظن بعضهم ، إنما هي المطر يدوم أياما ثلاثة أو نحو ذلك .

د.أحمد بن عبدالرحمن بالخير
استاذ الدراسات اللغوية بكلية العلوم التطبيقية بصلالة
[email protected]