لم يكن عبثاً وجود تمثال الشاعر الهندي "روبندرونات طاغور" في حديقة البيت الذي ولد فيه الشاعر الإنجليزي "وِلْيَم شكسبير" في مدينة Stratford Upon Avon "ستراتفورد أبون أيفُن" في إنجلترا. ولم أعر لذلك انتباهاً عندما شاهدته خلال زيارتي للإرث التراثي الذي خلَّفَه شكسبير بداية بالبيوت التي ولد وعاش فيها الشاعر إلى مثواه الأخير في كنيسة الثالوث المقدس على نهر أيفُن Avon. ولكن بدأ اهتمامي بعد عودتي من هناك وبدأت البحث عن سر وجود ذلك التمثال الوحيد. واعتقدت أنه بسبب التقارب الأدبي الكبير بين الشخصيتين حيث أن كليهما كاتب ومسرحي وروائي وشاعر. ولكن هناك سببا آخر وجدته خلال تصفحي للموقع الرسمي لأمانة مكان ولادة شكسبير (Shakespeare Birthplace Trust): (www.shakespeare.org.uk) حيث جاء فيه أن طاغور (1861-1941) كان شديد الإعجاب لشكسبير (1564-1616) وقد كتب له قصيدة نقشها على قرص من العاج في عام 1916م كان هو السبب الرئيسي لتنصيب تمثال نصفي لطاغور في بيت شكسبير الذي تم وضعه في سنة 1996م. جاء في القصيدة المكتوبة باللغة البنجالية "اليوم الذي ارتفعت فيه فوق الشاطئ البعيد يا شاعر العالم، وجدك أفق إنجلترا قريباً إلى صدرها، واعتَقَدَتْ أنك كنت كنزاً لها، لها وحدها".
لكن الفكرة الحقيقية للتمثال بدأت عند زيارة المفوض السامي للهند لدى المملكة المتحدة الدكتور ل.م. سينغفي لمكتبة مركز شكسبير وقد حمل معه ذلك القرص العاجي الذي تم وضعه مؤخراً في المكتبة. الجدير بالذكر أن الدكتور سينغفي من المعجبين بكلا الشاعرين منذ أن كان طالباً في الجامعة، لذلك وجدها فرصة سانحة لإبداء تصور وضع تمثال دائم للشاعر طاغور في بيت شكسبير بحيث يمكن الاستمتاع بمشاهدته من قبل كثير من الناس القادمين من شبه القارة الهندية لهذه المدينة كل عام. بعدها تم الاتفاق مع مدير وأمناء مكان ولادة شكسبير بأن يعرض الدكتور سينغفي الموضوع لرئيس وزراء البنجال الغربية السيد جيوتي باسو الذي أبدى دعمه للفكرة ورتَّبَ لتمثال نصفي للشاعر من البرونز يتكون من الرأس والكتفين وقد صنعه النحات ديبابراتا تشاكرابورتي الكالكوتي، (نسبة إلى مدينة كالكوتا الهندية) وهي نفسها المدينة التي ولد فيها الشاعر. تم تسليم التمثال رسمياً لرئيس الأمناء في أمانة مكان ولادة شكسبير في مؤتمر أقيم في حديقة منزل الشاعر بحضور جمع من الوزراء والمسؤولين وبإيقاعات هندية وبنجلاديشية تضمنتها قراءة لبعض قصائد طاغور المترجمة إلى الإنجليزية. وتم وضع التمثال على قاعدة من تصميم الفنان ويليام هاوكس ومصنوع من حجر من مدينة يورك البريطانية وتم نقش قصيدة طاغور لشكسبير عليها من قبل النحاتة الفرنسية كاثرين ريتيللو.
تم الحصول على المكان المناسب لوضع التمثال في جانب هادئ للحديقة بعيداً عن الأنشطة المختلفة داخل البيت بحيث يمكن مشاهدته والتركيز عليه من قبل الزوار. (كما يبدو في الصورة).
وبهذه الطريقة استطاعت الهند أن تضع بصمة أبدية لأحد رموزها في مكان يرتاده الزوّار من جميع أنحاء العالم.*

هامش :

محمد الراشدي
من "ترانيم الديم" (بتصرف).