نقف اليوم في إطلالتنا الفنية أمام أحد النماذج التشكيلية الشابة في مجال الرسم عموماً وفي مجال رسم الأشخاص أو ما يتعارف عليه فنياً (البورتريه) على وجه الخصوص، مبدع اليوم هو واحد من الذين شقوا طريقهم الفني معتمدين على ما يمتلكون من موهبة فذة وإحساس عال ورؤية بصرية ثاقبة في التعامل مع هذا اللون من الفن الذي ينعته الكثير من الفنانين بأنه معقد ويصعب التعامل معه لاعتماده على تقديم الشخصية الإنسانية وما تحمله من مشاعر ونفسيات عبر ملامح الوجه وتكويناته المختلفة، وهنا يكمن عنصر التحدي بمعنى أنه كلما برع الرسام في توضيح الشخصية وفك أحاسيسها وغاص في هواجسها ومشاعرها ونجح على أثر ذلك المشاهد من فهمها وسبر تفاصيل نفسيتها كلما كان العمل ناجحاً، فبراعة الفنان في تصوير الملامح الإنسانية العميقة والمفعمة بانفعالاتها الهادئة أو المثيرة التي تجعلك تقترب منها بتلقائية وعفوية هي ما يميز هذا الفنان عن ذاك، وهذا هو ما جعل فنان اليوم شاكر جلال متميزاً في عطائه الفني بهذا المجال. وقد يتسائل هنا سائل فيقول إن هذا الدور بات سهل المنال بعد اكتشاف الكاميرا، نقول هنا نعم لقد لعبت كاميرا التصوير الفوتوغرافي مؤخراً جانباً من هذا الدور ولكن بقي عنصر الحساسية التعبيرية وفن اللون والضوء في يد الفنان لأنه الأكثر قدرة على منح لقطات الوجوه المتعة الأجمل والتأثير الأكثر قُرباً للنفس، وما يؤكد ذلك هو قيام شركة (كوداك) العالمية المتخصصة في مجال التصوير الفوتوغرافي وإنتاج الأفلام والأجهزة والكاميرات بإصدار نشرات وإرشادات فنية لعملائها تتحدث عن نظام خاص للإضاءة في استوديو تصوير البورترية حيث أطلقت الشركة على هذا النظام اسم الفنان العالمي (رامبرانت) المعروف برسوماته المثالية في رسم البورتريه والملقب بفنان الوجوه والمشاعر الإنسانية وذلك حتى يتمكن المصور الفوتوغرافي من أن يحقق ذات النتيجة مع الطبيعة الضوئية التي ابتدعها الفنان التشكيلي لأن الأخير كان ولا يزال وسيظل حاملاً المشعل وكاشفاً للأسرار وممهداً لطريق البحث والاختراع في عالم الشكل ومالكاً لناصية الخيال الذي لا تقف أمام إبداعه آلات ولا تكنولوجيا .
عموماً شاكر جلال البلوشي يملك في سجله الفني العديد من الأعمال الفنية لشخصيات مختلفة عُمانية وغير عُمانية لرجال ونساء وأطفال نفذها بوسائط لونية مختلفة أذهلت في دقت تنفيذها ونقل إحساس أصحابها ومشاعرهم كل من أطلع عليها، فوجوه شاكر تشعرك بوهج تعبيري عميق وكأنها امتداد لفرح أصحابها أو معاناتهم أو كل ما يحمله خيال المتلقي من تناقضات وخلجات وتمثلات متنوعة، وقد اخترت له من بين أعماله هذا العمل لرجل عُماني مُسن وقد أثرت حركة الزمن وانعكاساتها الثقيلة على وجهه بشكل ملفت وفي عينيه الوضاءتين الجميلتين ــ اللتين هما في نظري سر العمل ومكمن روعته وجماله ــ حيث نجد في وجه هذا الرجل انطباعات لدراما عميقة فيها مزيج من بريق عال من الصبر والجلد على كل ما كابد في سنين حياته وقاسى من أجل أن يهنأ بعيش كريم ، وقد أكد على ذلك تلك الابتسامة الهادئة التي تحملك حيث التفاؤل والثقة الكبيرة التي تختفي خلف أسوار هذه الشخصية النضالية التي بنت مجداً وخطت مسيرة جهاد طويل بفضل كفاحها وجدها وعطائها لهذا الوطن . وأخيراً هي دعوة مني لكل من يعشق فن البورتريه أن يشاهد المجموعة الكاملة لهذا الفنان ليكتشف روعة العطاء الفني والأداء التعبيري التي يمتلكها شاكر جلال.

عبدالكريم الميمني
[email protected]