عندما تجلس مع احد كبار السن وتسمع منه قصة عمان ما قبل النهضة المباركة اي قبل السبعين، يترآى لك المشهد وكأن اجدادنا وآباءنا يعيشون في عصر غير موجودة فيها عمان على خارطة العالم في القرن العشرين بعد ان كان لها تواجد مشهود له كامبراطورية عبر عدة قرون حتى التاسع عشر، فلماذا كل ذلك التراجع والتخلف والانغلاق؟ وهل تلك المرحلة كانت بحاجة الى فرض هذه السياسة من العزلة والتضييق على المجتمع وفرض الاقامة الجبرية عليه في كل مساحة الوطن الشاسعة؟ لا تعليم ولا صحة ولا خدمات وتحد في تأمين متطلبات الحياة الضرورية من غذاء ودواء وماء وملبس ومسكن، وتواصل صعب بين العاصمة والمناطق التي كانت الغلبة فيها للقوي ومن يمتلك السلاح، فالشيخ في القرية هو من يصدر الاحكام بمساعدة القاضي ويسجن وله حظوة وصيت مسموع عند الوالي المعين من قبل الحاكم.
وصل الحال لدى بعض الشيوخ في تلك الحقبة الى درجة استغلال الضعفاء من افراد المجتمع ممن تربوا على الخوف والطاعة ودفع الإتاوات تمام كذلك الحال الذي نشاهده في الافلام العربية والهندية القديمة، كما ان المجتمع كانت تسيطر عليه العصبية والقبلية وتثور بينهم النزاعات على أتفه الاسباب كتلك التي كادت ان تفتك بين قبيلتين بسبب برميل نفط فارغ رمته ناقلة كانت تعبر بحر عمان في طريقها الى أحد الموانئ، حيث كانت كل قبيلة من القبيلتين تدعى بان الغنيمة القادمة من البحر ملكا لها لولا ان ستر الله وبانت حقيقة ذلك البرميل الفارغ، وقس على ذلك الكثير من هذه القصص التي كانت تفتقر الى صوت الحكمة والعقل والالتقاء على كلمة سواء.
الا ان الله اراد لهذه البلاد ان لا تستمر في الانحدار وان تعيد تلك المكانة التي كانت تمثل فيها قوة عسكرية واقتصادية في المنطقة لا يستهان بها اسهمت بدور بارز وجلي في محاربة الاستعمار، ونشر تعاليم الدين الاسلامي الحنيف في العديد من الدول الافريقية وآسيا وان تكون من الموانئ المهمة على طريق التجارة العالمي في ذلك الوقت وذاع صيتها في العديد من العلوم وممن بينها علوم الفلك، فبعث لها قائد عظيم في انسانيته عايش جزءا من تلك المعاناة مما اهلته مع قراءته للتاريخ ان يغرس الله فيه النور الذي يضئ عمان دروبها ويعيد اليها امجادها من خلال رؤية عصرية يتواكب ما يشهده العالم من حضارة وتطور، فكانت كلماته الاولى بعد توليه الحكم في البلاد وعده الذي صدق فيه للمواطنين ان يجعلهم يعيشوا سعداء ويمحي الظلمة ويحارب الجهل مستمدا قوته في ذلك من عون الله والارث التاريخي للبلد وسواعد ابنائه المخلصين.
وها هي عمان بعد 44 عاما من ذلك الوعد الصادق تحولت فيها كل قرية الى مدينة وكل مدينة الى عاصمة وكل عاصمة دولة تتوفر فيها كل مقومات الحياة العصرية، اختفى من القرية معلم القرآن واستبدل بمدرسة فيها كل فنون العلم والمعرفة فأصبح ابن القرية الذي تختفي خلف الجبال دكتور محاضر في الجامعة والذي يجلس بجواره طيار والفتاة دكتورة اختصاصية، والقنديل الذي يضيء بالكهرباء واناء الفخار الذي يبرد في الماء بالثلاجة والدابة التي يستعان فيها بالنقل بالسيارة الرسالة الورقية اي ( البروة ) التي كانت ترسل باليد بالاتصال الهاتفي وشبكات التواصل الاجتماعي صوتا وصورة ، واقتصرت مسافة الطريق الذي كان يقطع بين مسقط العاصمة ومناطقها في ايام الى ساعات واختفت تلك العادات التقليدية في علاج المرضى بعد ان وصلت الرعاية الصحية الى اعلى قمة جبل وابعد نقطة في صحراء عمان ،فضلا عن القضاء على التعصب المذهبي ووقوف الجميع في صف واحد لصلاة الجماعة في اي مسجد من المساجد، كل تلك الطرق الوسائل البدائية المستخدمة لادارة شؤون الحياة اليومية في المجتمع اصبحت قصص تحكيها المتحاحف والكتب التي وثقها بعض الكتاب العمانيين .
فالانجاز الذي ننعم بخيره الآن هو نتاج لقطرات العرق التي سالت من جبين قائد هذا البلد من خلال تحركه الدائم والمستمر بين ربوع عمان من اجل تأمين الخدمات الضرورية الاساسية ورعاية مصالح الناس ، وشعبه الوفي الذي لبى النداء ليكونوا معا معاول بناء ارتوت بعرقهم مسارات التنمية بمختلف افرعها ومجالاتها ، فهنيئا لعمان بقابوس الذي اعاد لها مجدها التليد وهنيئا للشعب بقابوس الذي جعل منهم صناع التنمية وهنيئا لقابوس هذا الشعب الذي تعدى حبهم له كل المراحل فاصبح يجرى مجرى الدم في العروق ، ترجم ذلك في سجدة الطفل ودعائه وبكاء فرح الشيخ الذي تعدى الستين والمرأة التي رقصت فرحا مع تلك المجاميع التي خرجت بعفويتها الى الشوارع شكرا لله على سلامة وشفاء مولانا جلالة السلطان.

طالب بن سيف الضباري
امين سر جمعية الصحفيين العمانية
[email protected]