أخبرني صديق أنه كان ذاهبا لأحد المجمعات التجارية الكبيرة، وبعد أن انتهى من التسوق خرج بمركبته من الموقف، تفاجأ بوجود مركبة في طريق الخروج أمامه، ظن صاحبي أن السائق خرج من مركبته ليحضر شيئا ما بسرعة من المجمع التجاري، تكاثرت المركبات خلفه، وتصاعدت أبواق السيارات في الخلف، وتحّمل غضب أحدهم وكلامه. مضى ربع الساعة، إلى أن جاءت "ست الحسن والجمال" ، كما يقول إخواننا المصريون، بخطوات وكأنها تمشي على أطباق من بيض، وركبت المركبة. أدار ـ ربما زوجها أو أخوها أو أبوها ـ الذي كان موجودا أصلا في المركبة ـ مفتاح المركبة بكل برودة أعصاب ومضيا وكأن شيئا لم يكن. صاحبي المسكين ـ وسط دهشته ـ والذي تلقى العديد من الشتائم، والكثير من أصوات أبواق السيارات لم يكن يعرف أن بالسيارة شخصا؛ لأنه لم يتوقع من أحدهم أو حتى يتخيل بوجود شخص يرى ما يحدث خلف مركبته ولا يحرك ساكنا، وإلا خرج إليه وأخبره بأن الطريق ليس ملكه، فهنالك الكثير من الأشخاص ينتظرون ـ حضرته ـ للخروج بمركبته.
بعض المواقف قد تكون بسيطة أو أن البعض يراها لا تستحق التهويل والنظر إليها أو الكتابة عنها حتى، ولكنها في منظور الآخرين قد تحمل مضامين عصرية ينبغي التحلي بها، خصوصا في ظل النظام الإسلامي السمح الذي يحاكي مختلف العصور، "حب لأخيك ما تحب لنفسك". وفي ظل المقولة العالمية " إن حريتك تنتهي عندما تبدأ حريات الآخرين".
هنالك الكثير من الأمثلة التي يمكن سردها والتي سُردت من قبل ليس في الطرقات فقط بل في نواحٍ كثيرة من مجريات الحياة. إلا أن بعض الأشخاص ـ وإن كان قليلا ـ لا يعرف أن هذا خطأ؛ لأن منهم ـ مساكين ـ ليس لديهم الوعي اللازم بأنه يعيش ضمن مجتمع مكون من نظام، وحقوق للأفراد، وضرورة احترام الآخرين، وضرورة التحلي بالقيم الحميدة. وأحيانا تغلب الأنانية التي تجعل من الشخص ينظر إلى نفسه على أن كل شيء له أو مسخر من أجله حتى لو داس على حقوق الجميع والنظام فتراه يقف أينما شاء وكيفما شاء ويتجاوز من يشاء ويعتدي على من يشاء في سبيل الوصول إلى مبتغاه الشخصي فقط.

محمد بن سعيد القري