من يدافع عن محمد؟
وهو أعزل لاسلاح معه ولا أحد معه إلا الله (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة ـ ٦٧)،ومن دفاع الله عنه أن جعل شخصيته شخصية كمال يحبه كل أحد رآه ولو كان كافراً، فالكافر يصدقه لكنه يعاند نفسه ابتغاء متاع الحياة الدنيا، فقد حاز جميع صفات الإنسان الحسنى والجميلة ونأى الله عنه جميع صفات الإنسان الدنيئة .. فماذا بعد الحق؟.
كان همّه الإسلام، مات ابنه إبراهيم فانكسفت الشمس، فقال الصحابة: إن ذاك بسبب موت ابنه، فقام النبي وصحح زعمهم وقال فيما معناه: لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياة أحد، ولو كان مطمعاً دنيوياً لقبل زعمهم الخاطئ كما يحصل ذلك من الزعماء والملوك الذين يحبون التفاخر.
من هنا تتجلى نبوته ورسالته من ناحية كونه نور الله الموصوف، ومن ذلك لم ينحِّ المنافقين واليهود عن المجتمع المدني الإسلامي بل وضع دستوراً يرسم الحقوق والواجبات على كل أحد منهم، لكن لمّا خان اليهود أخرجهم من الجزيرة العربية، وهذا حقه عليهم لا اعتداء منه لهم، والسلام على أشرف المرسلين مبلغ رسالة رب المرسلين إلى الناس كافة.
محمد هدّم العنصرية
في بداية الإسلام ضم المسلمين سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وزيد بن حارثة وابنه أسامة، فجعل النبي سلمان من آل البيت وزوج بلالًا وزيدًا وأسامة من فتيات العرب، ومع ذلك تهنوا في بيوتهم بكامل السعادة والعافية.
ولطالما حذر العرب من العنصرية وكان يقول لا فضل لعربي على أجنبي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
وإذا جئنا إلى عدد العرب الآن نراه ربما ثلاثمائة مليون ويشمل النصارى، لكن إذا تتبعنا عدد المسلمين من غير العرب لوجدنا أضعافاً مضاعفة من حجم العرب.
ومن الطبيعي أن الواحد لا يحب ديناً قائماً على العنصرية لأنه سيشمله الاضطهاد الديني وهذا ما لم يحدث لاتباع النبي عليه الصلاة والسلام بل سادته ألفة ذاقوا ختام المسك كما سيذوقونه في الجنة وأغلالهم مرمية تحت أقدامهم، عاشوا في تحاب لا يوصَف ولا ينبغي أن يحصل ذلك في غيرهم, هذه المعجزة في ذاتها تدل على نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) فالمعجزة هي فعل الله خارق لطبيعة ما خلق أولاً فأن من خلق الطبيعة قادر على خرقها, وضم إلى الفعل الرباني للمعجزة القول الرباني مثل القرآن الكريم الخالد فهذه الأقوال حقائق تقع في الدنيا أو الأخرة، فهي مثل الأفعال.
لقد ختم المسلمون حضارتهم بالحضارة العثمانية وهي غير عربية، ولقد خضع العرب لها وانصهر الجميع في بوتقة الإسلام لا تمييز بينهم، لفظ (الناس) ينطبق على العرب وغيرهم، ومن أقوال النبي نفسه:(من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) و(لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها) هذه المساواة فأين العنصرية , وأين الكيل بمكيالين الغالب على زماننا هذا.
إنَ النبي لم يحابِ أبا بكر وعمر وعثمان وعلي على بلال وزيد وصهيب وسلمان بل جعلهم في منزلة واحدة يقبل كلامهم جميعًا ويصغي إلى كل أحد ويعامل كل صحابي بالشهامة حتى يظن كل منهم يحبه النبي أكثر من الأخر, يقسم نظراته إليهم بالمساواة والعدل وهكذا الصفات الأخرى.
من علم محمدًا الحضارة؟
لقد نشأ محمد في أرض يابسة لا زرع فيها ولا ماء إلا زمزم المباركة، تحيط بها البادية من كل مكان ويعيش أصحابها على التجارة، ثم هاجر إلى المدينة الزراعية البسيطة، فكانتا بمبعد عن الحضارة المادية التي يمثلانها الروم والفرس، وحدثت البعثة ونزل القرآن وأنطقه الله بالحكمة وبالسنة بجوامع الكلم.
لقد احتوى القرآن على وصف الكثير من الحضارات مثل عاد وارم وسليمان وبلقيس وحضارات اليمن السعيد والعراق العظيم وحضارات مصر الكبيرة والشام العزيزة ايان لم توجد حضارات إلا على بلاد العرب, وهذا سر من أسرار خروج خاتم الأنبياء وسيدهم منهم.
إن القرآن طالما تتساوق آياته لتدل على القيم الإنسانية العظيمة التي تسيِّد الأنسان وتجعله بمنأى عن المساويْ ومتحلّى بالمحاسن في توازن عجيب يكون الناس في تحابب وتواد وبلا صراعات، ولقد احتوت سورة المدثر على القيم الإنسانية والحضارية فمن يقرأها يجد ذلك جليّاً في بدايتها. فمن أخبر محمدًا بهذا؟ إنه الله, ولماذا؟ لأنه رسوله.

- كاتب عماني