ربما يكون كتاب جون بولتون الأكثر جدلا وتعرية لكواليس الغرف المغلقة في البيت الأبيض، لكنه ليس الأوحد، فبخلاف كتاب «نار وغضب»، هناك كتاب «المعتوه: مشاهدة من بيت ترامب الأبيض» لمديرة مكتب الاتصال العام في إدارة ترامب من 2017 حتى 2018 ومستشارته السابقة أوماروزا مانيجو نيومان..
في الثالث والعشرين من يونيو الماضي أصدر جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق بالولايات المتحدة، كتابه “الغرفة التي شهدت الأحداث”، بعد رفض المحكمة وضع قيود عليه، وقبله بعامين ونصف صدر كتاب “نار وغضب” للصحفي الأميركي مايكل وولف، والمبني على معلومات وشهادات للمساعد السابق للرئيس دونالد ترامب ستيف بانون، والكتابان كلاهما يكشفان أسرارا من داخل المطبخ السياسي في البيت الأبيض، وكواليس عملية انتخابات ترامب سابقا ومستقبلا، وعلاقته بالقوى الكبرى في العالم، وعلاقات المصالح التي تتشابك فيها الأيدي تحت الطاولة.
يعرف السائر بتقفي الأثر، ويستدل على المسير بكثرة الخطوات، وتصاعد الدخان من دلائل النار، وما آل إليه ساسة عملوا في البيت الأبيض من سكب المعلومات في كتب تعتبر توثيقا لحقبة آنية سوى دلائل على احمرار الجمر في الأروقة السياسية، وأن ما يحدث داخل غرف البيت الأبيض ضاق بهم ذرعا لتحمله، فكما قال العرب قديما “الصَّبر على التهاب النار أهون من الصَّبر على كتمان السِّر”.
ترامب هو الرئيس الوحيد الذي صدر في حقه كتابان حملا الكثير من أسرار البيت الأبيض، ومن سياساته التي عارضها أقرب الناس إليه، فتناول الكتاب الأول “نار وغضب” العديد من المشاكل التي تحيط بالرئيس الأميركي، والحلقة الضيقة المحيطة به، وطموحات من حوله المستقبلية السياسية في البيت الأبيض، خصوصا ابنته إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر، وكذلك السفيرة الأميركية السابقة في الأمم المتحدة نيكي هيلي، ومعظمهم كانوا ـ ولا يزالون ـ يشاركون ترامب في قراراته ويؤثرون فيها بشكل مباشر.
الكتاب الثاني “الغرفة التي شهدت الأحداث” أثار الاهتمام لدى الرأي العام الأميركي والعالمي، نظرا لمنزلة ومكانة الكاتب الوظيفية وموقعه المقرب من ترامب، مما أفضى إلى معلومات يتلهفها كل شغوف لما يحدث في الغرفة التي حملت اسم الكتاب، وكان من أبرز تلك المعلومات وصف بولتون لترامب بأنه “رئيس جاهل بأبسط الحقائق الجغرافية، ولا تتعدى قراراته رغبته في التمسك بمنصبه لفترة ولاية ثانية”، إذ قال بولتون في لقاء جمع بين الرئيس الأميركي ونظيره الصيني شي جين بينج على هامش قمة العشرين التي عقدت في اليابان العام الماضي، “إن ترامب حوَّل الحديث بشكل مذهل إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في 2020، مشيرا إلى قدرة الصين الاقتصادية، وطالبا من الرئيس شي أن يضمن فوزه في تلك الانتخابات.. ثم ترحيب ترامب بالإجراءات الصينية، عندما دافع الرئيس شي عن بناء معسكرات الاحتجاز لمسلمي الايجور، معبرا ـ ترامب ـ أنه الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله”.
ترامب دخل البيت الأبيض في ظل شبهة التدخل الروسي في توجيه انتخابات 2016 من منافسته الديمقراطية هيلاري لصالحه، كما حوكم أمام الكونجرس لطلبه التدخل الأوكراني في توجيه انتخابات 2020، وهو ما تطرق إليه بولتون في كتابه، موضحا أن ترامب سعى إلى وقف المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا من أجل إجبارها على التحقيق في خصمه السياسي (الديمقراطي) جو بايدن، وهو الأمر الذي دفع الديمقراطيين إلى التحرك في إجراءات عزله، ووجه مجلس النواب اتهامات فعلية له قبل أن يبرئه مجلس الشيوخ.
الكتابان أشعلا نار الغضب ضد ترامب، وألهبا حماس المعارضة، لا سيما بعد الكشف عن رغبة الرئيس الأميركي في إجراء تعديلات دستورية من أجل الاحتفاظ بمنصبه لأكثر من فترتين رئاسيتين، وسرد نماذج من السخرية التي يوجهها موظفو البيت الأبيض لرئيسهم، وتشبيه اجتماعات البيت الأبيض في عهده بأنها “معارك صبيانية”.
ربما يكون كتاب جون بولتون الأكثر جدلا وتعرية لكواليس الغرف المغلقة في البيت الأبيض، لكنه ليس الأوحد، فبخلاف كتاب “نار وغضب”، هناك كتاب “المعتوه: مشاهدة من بيت ترامب الأبيض” لمديرة مكتب الاتصال العام في إدارة ترامب من 2017 حتى 2018 ومستشارته السابقة أوماروزا مانيجو نيومان، وكتاب “الخوف: ترامب في البيت الأبيض” للمؤلف والصحفي الأميركي الشهير بوب ودورد، والذي استقى معلوماته من مقابلات مع أعضاء إدارة ترامب.
إن مستخلصات الكتب التي تناولت سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تزيح الستار عن هشاشة اتخاذ القرار في البيت الأبيض، والتلذذ بشهوة البقاء في الحكم، وتحقيق أكبر منافع للمحيطين خلال فترة تولي الرئيس الحكم، وفي نفس الوقت تنذر بأن الانتخابات المقبلة لن تكون هينة، بل إن فرص إزاحة ترامب من السلطة عبر صناديق الاقتراع باتت قريبة، خصوصا أن غالبية قراراته كانت مثيرة للغرابة واتسمت بالجدل، وفي كل الأحوال تعتبر الكتب مرجعية علمية لكشف أسرار من داخل أروقة البيت الأبيض، والتعرف عن قرب بعملية صناعة القرار، ودراستها، ومعرفة مؤشراتها وتوجهاتها، واستخلاص نتائج قادرة على دعم السياسات الموازية في العالم، ولا حرج أن يكون السر الأبيض المكشوف انطلاقة لمنهجية دبلوماسية جديدة، وسياسة متطورة مبنية على أسس علمية ودراسات بحثية للمختصين وذوي الشأن.

جودة مرسي
[email protected]
من أسرة تحرير «الوطن»