إن الاستثمار في التعليم هو الضمانة الأكبر لرفعة الأمم، لأن القدرات البشرية ثروة لا تنضب، بل تزداد معدلات نموها كلما استثمرنا فيها، وقدمنا الرعاية للمواهب المتميزة التي تتخذ من التعليم والعلم ترياقا للحياة، فالاهتمام بها يفضي إلى أفضل ادخار يمثل تنمية مستدامة تفيد الأوطان..

التنمية البشرية ركيزة الأمم للتقدم، والتعليم هو إكسير هذه التنمية ومحركها، وتفتخر المجتمعات بنوابغها العلمية، وفي السلطنة كثيرة هي النماذج المشرفة التي أثرت العلم والتعليم، وكانت نموذجا مشرفا خارج حدود الوطن، فساهمت بنشر صورة مميزة عن السلطنة، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، الزهراء بنت محمد الحسينية الطالبة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الشرقية، والحاصلة على الميدالية الذهبية في المسابقة الدولية للعلوم والتكنولوجيا والهندسة ـ والتي كانت قد أقيمت بجمهورية إندونيسيا العام الفائت ـ عن مشروعها (شاحنة الرصف الآلي)، وقبلها بعام (2018) سجلت الطبيبة منى بنت محمد الحبسية نجاحا عالميا، حيث كانت تعمل مع فريق البروفيسور الياباني تاسوكو هونجو، الفائز بجائزة نوبل للطب، والحاصل عليها مناصفة مع الباحث الأميركي جيمس أليسون، تقديرًا لجهودهما في تطوير علاج لمرض السرطان.
تقارير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) تشير إلى أن هناك علاقة مهمة وإيجابية بين الاستثمار في التعليم والنمو الاقتصادي في جميع دول العالم، وسيظل التعليم والبحث العلمي نهر التنمية والنهضة لأي أمة، فالتعليم يمثل بداية أي حضارة ومتنفس لاستكمال النهضة لكثير من البلدان، واختيار الاستثمار في التعليم ضرورة وليس خيارا في الأمم المتقدمة، فالعنصر البشري يحتاج لاستثمار كوادره بالتعليم المستنير الذي يضيء العقول، ويشحذ الهمم، ويوجد مخترعات، ويكشف أسرار الطبيعة والبيئة والكائنات، وصولا للفلك والكون والمجرات.
إذا نظرنا إلى البلدان الأكثر جودة في التعليم مثل سويسرا وفنلندا واليابان نجد مخصصات ميزانيات التعليم كبيرة، وأنها استنفرت القدرات التنموية عن طريق الاستثمار في العنصر البشري وتأهيله تعليميا وفكريا، ولأن الشرق ممثلا في علمائه مثل “الخوارزمي، ابن الهيثم، ابن النفيس، يعقوب بن إسحاق الكندي...إلخ” كان في فترات كثيرة منارة للعلم والتنمية وأسس حضارات أفادت البشرية لفترات عديدة، وعمل الغرب على نقل تلك الحضارات عن طريق الترجمة تارة والهجرة إلى الشرق، إما بالاستيطان والعمل تارة أو الاستعمار العسكري تارة أخرى، حيث دأب حينئذ المفكرون والعلماء الأجانب على نقل ثقافة وعلوم المشرق خاصة من المنطقة العربية ليضيفوا لها بعد التعلم منها، مما أثمر عن تلك الحضارات الغربية البارزة في هذا العصر، والتي انتقلت بسرعة الصاروخ لعصر التقنيات ورفعت كفاءة الكوادر البشرية بتأهيلها علميا وعمليا فأثمرت تكنولوجيا الإلكترونيات، وأدت للوصول إلى اكتشافات الفضاء والتكنولوجيا العابرة للقارات بمعدلات الفيمتوثانية. و”الفيمتوثانية” توصل إليها عالم نوبل العربي الراحل أحمد زويل وساعدت على مشاهدة حركة الجزيئات عند تفاعلها مع بعضها البعض، حيث تعتبر “الفيمتو سكند” هي الوحدة الزمنية التي يمكن التقاط الصورة الواحدة خلالها، وهي جزء واحد من مليون مليار جزء من الثانية الواحدة، وتعتبر النسبة بين الثانية والفيمتو ثانية هي النسبة بين الثانية و32 مليون سنة..
تشير الدراسات إلى أن سنة إضافية في التعليم تحقق نموا في الناتج المحلي يبلغ 7%، وهذا يتوافق مع تقارير البنك الدولي التي تقر بأن التعليم يحقق عائدات أكثر أهمية للمجتمعات الإنسانية، وهو أحد العوامل الرئيسية لتحقيق التنمية المستدامة، وللاستفادة من التعليم يجب أن تتوافر العديد من العوامل التي تستطيع أن تحقق طموح التنمية جراء التعلم، أهمها الموارد المالية، والاستجابة إلى احتياجات المتعلمين، واحتياجات التنمية من مناخ ملائم وأجهزة علمية ومعامل حديثة، مع توافر عناصر الخبرة للمتعلم وإتاحة المجال لكل موهبة لصقلها تعليميا مع استلهام التجارب الناجحة وتطبيقها.
إن الاستثمار في التعليم هو الضمانة الأكبر لرفعة الأمم، لأن القدرات البشرية ثروة لا تنضب، بل تزداد معدلات نموها كلما استثمرنا فيها، وقدمنا الرعاية للمواهب المتميزة التي تتخذ من التعليم والعلم ترياقا للحياة، فالاهتمام بها يفضي إلى أفضل ادخار يمثل تنمية مستدامة تفيد الأوطان ولا تنضب مع مر الزمان، وما أحوجنا إلى تلك الكوادر الآن للتغلب على جائحة كورونا.
ولا شك أن السلطنة تعج بالمواهب، وتروي المهارات، وفيها تنمو القدرات، والنماذج المشرفة لأبناء الوطن كثيرة، ولدينا ذخيرة شبابية من ذوي المؤهلات العلمية والمواهب الفكرية التي تستطيع أن تضيف الكثير للتنمية في السلطنة، وتفيض بالاستدامة الاقتصادية عند تشجيعها على التعلم والانخراط في برامج التطوير والتأهيل والبحث العلمي والابتكار.


جودة مرسي
[email protected]
من أسرة تحرير «الوطن»