إن السبب الرئيسي في تفاقم مشكلة الدين في الكثير من دول العالم يكمن في الأساس في سوء الإدارة، فالفساد وضعف السياسات الاقتصادية والتنموية، وعدم وجود خطط واضحة ومحددة لضبط الإنفاق قد يفاقم من مشكلة الدين..

لقد أصبحت مشكلة الدين العالمية من أكبر التحديات التي تعاني منها دول العالم بما فيها الدول المتقدمة، حيث وصلت المديونية فيها إلى مستويات غير مسبوقة, لذا فإنه ليس من المستغرب أن تقوم مجموعة العشرين بإدراج هذه المشكلة على جدول أعمالها في اجتماعاتها الأخيرة التي تعقدها بصفة دورية.
من المعروف أن سياسة الاقتراض تسهم كثيرا في تمويل الكثير من المشاريع الحيوية كمشاريع البنية التحتية ومشاريع الصحة والتعليم والمشاريع الاستراتيجية الكبرى، كما أن الاستدانة قد تكون أمرا ضروريا في أعقاب الأزمات المالية الحادة؛ لأنها تلعب دورا رئيسيا في دعم النمو والتعافي الاقتصادي من حالة الركود، ولكن الأمر قد يخرج عن السيطرة إذا تم التوسع في سياسات الاقتراض بشكل مفرط وغير مدروس، فالدين المرتفع قد يقوض مساعي الحكومة في المستقبل للحصول على قروض خارجية، ويجعل اقتصادها معرضا للكثير من المخاطر الناتجة عن ضعف التدفقات النقدية، أضف إلى ذلك أن ارتفاع الدين قد يؤدي إلى تقلبات عنيفة وحادة في أسعار الصرف الأجنبية والذي يؤثر كثيرا على استقرار قيمة العملة المحلية. فانخفاض قيمة العملة المحلية قد تكون له آثار كارثية على أسعار السلع المختلفة، ومن المعروف أيضا أن ارتفاع الدين قد يؤدي إلى تعميق حالة الركود في أعقاب الأزمات المالية الحادة؛ لأن الحكومة تصبح عاجزة عن تقديم الدعم اللازم للخروج من تلك الأزمات.
إن السبب الرئيسي في تفاقم مشكلة الدين في الكثير من دول العالم يكمن في الأساس في سوء الإدارة، فالفساد وضعف السياسات الاقتصادية والتنموية، وعدم وجود خطط واضحة ومحددة لضبط الإنفاق قد يفاقم من مشكلة الدين لتصل إلى معدلات لا يمكن السيطرة عليها. على سبيل المثال، فإن سياسة الاقتراض لمجرد تغطية العجز في الميزانية قد تحمل الكثير من المخاطر بجانب أنها أيضا لا تسهم كثيرا في حل المشاكل الجوهرية التي يعاني منها الاقتصاد المحلي، بل على العكس من ذلك، فتراكم الدين على مدى سنوات قد يعمق من تلك المشكلات ويجعلها عصية على الحل، وفي هذا الإطار ينصح بعض الخبراء بتجنب استخدام هذه القروض في تغطية المصروفات الجارية والاتجاه بدلا من ذلك إلى استثمارها في مشاريع ذات جدوى اقتصادية كإقامة الموانئ والمناطق الصناعية والمناطق الحرة وغيرها من المشاريع العملاقة التي قد تساعد في توفير عائدات مادية مجزية لخزينة الدولة.
إن سياسة تخفيض العجز والمديونية قد تكون لها تكاليف اقتصادية محدودة ونسبية، ولا يمكن مقارنتها بالإيجابيات الناتجة عنها، فالسيطرة على نسبة الدين في حدود المعقول والمقبول عالميا قد يعطي الاقتصاد ميزة تنافسية على المستوى العالمي، ويساعد الحكومة في الحصول على تقييم جيد من قبل وكالات التصنيف الائتماني، وهذا بدوره قد يفتح أبوابا واسعة للحصول على قروض بتكاليف ميسرة وزهيدة، كما أن انخفاض الدين قد يساعد في تجنيب البلاد الكثير من الهزات الاقتصادية الناتجة عن التقلبات العنيفة التي تحدث في الاقتصاد العالمي (بين النمو والانكماش والركود ), كما أنه يوفر لصناع السياسات المحلية الموارد المالية اللازمة لاتخاذ الإجراءات المناسبة في مثل هذه الظروف الصعبة وذلك لمساعدة الاقتصاد على الخروج من عنق الزجاجة.
أما بالنسبة لموضوع العجز في الميزانية فيمكن علاجه بمجموعة من الإجراءات الهادفة نذكر منها على سبيل المثال:
ـ ضبط النفقات والمصروفات الجارية بطرق مختلفة كتقليص الدعم المقدم لبعض السلع ونقل بعض الخدمات التي تقدمها الحكومة إلى القطاع الخاص؛ لأن ذلك سيوفر الكثير من المصروفات الحكومية، بالإضافة إلى أنه سيساعد على توفير فرص عمل في القطاع الخاص.
ـ الاستمرار في تنويع مصادر الدخل، والتقليل من الاعتماد على النفط المعرض لتقلبات الأسواق العالمية، وهنا أحب أن أنوه إلى ضرورة التركيز على استثمار الموارد المحلية، ومن أهم القطاعات الواعدة في هذا المجال، قطاعات التعدين والثروة السمكية والسياحة.
ـ تحسين السياسات الضريبية وهذا يشمل فرض ضرائب انتقائية على بعض السلع كالكحول والمشروبات الغازية والسيارات والمواد الكهربائية والإلكترونية وغيرها من السلع بشرط أن لا يؤثر ذلك على الحاجات الأساسية للمواطنين، أيضا يجب مكافحة التهرب الضريبي الذي تمارسه الكثير من الشركات والمؤسسات التجارية، وهنا يجب التركيز على وكلاء الشركات الأجنبية التي تحقق أرباحا خيالية. يشار إلى أن الضرائب قد تساعد في خدمة الدين العام؛ لأنها ستوفر الأموال اللازمة لإقامة بعض المشاريع الاستراتيجية والتي يمكن أن تعود بالفائدة على خزينة الدولة.
ـ تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي؛ لأن هذا الاستثمار يساعد على إيجاد فرص عمل كثيرة، ويجنب الحكومة التوظيف العشوائي والشكلي والذي يضغط كثيرا على الميزانية، ويمكن تحقيق ذلك بطرق مختلفة كإقامة المناطق الحرة والمجهزة ببنية متكاملة، وتقديم بعض التسهيلات للمستثمرين الأجانب وإعطاء مثل هذه الاستثمارات أولوية لتسويق منتجاتها في الأسواق المحلية، والأهم من كل ذلك إعطاء ضمانات قانونية تحمي هذه الاستثمارات من أي تقلبات سياسية، خصوصا وأن الإقليم المحيط بنا يعاني الكثير من التوترات السياسية ولا يشجع كثيرا على الاستثمار الأجنبي.
في الختام، يمكن القول إن معالجة الدين المرتفع أصبحت مسألة ذات أولوية ولا يمكن التغاضي عنها، نعم قد تكون التكاليف مؤلمة إلى حد ما، ولكن استمرار الارتفاع في معدلات الدين العام بشكل مطرد يدق ناقوس الخطر وينبئ بعواقب كارثية لا تحمد عقباها.

خالد الصالحي