كتب ـ أحمد بن سعيد الجرداني:
صدر مؤخرًا عن مركز (ذاكرة عمان) كتاب بعنوان: (لغة أهل عُمان في عصر الاحتجاج اللغوي) للباحث الدكتور أحمد بن محمد الرمحي وهو عبارة عن كتاب يقع فيما يقارب 300 صفحة، قدمه الباحث كدراسة وتساؤلات للإجابة عنها في المؤتمر الدولي: (الدور العُماني في خدمة اللغة العربية)، الذي عُقِدَ في الجامعة الإسلامية بماليزيا في (22-23 ذي الحجة 1436هـ/‏ 6-7 أكتوبر 2015م)، فقَدَّمَ فيه دراسةً موجزةً بعنوان («لغة أهل عُمان» في مصادر التراث اللغوي: دراسة لغوية) حيث جمع الباحث هذه الدراسة والبحوث في كتاب حتى يتسنى للباحث والمطلع الاستفادة منه.
يقول الباحث: عاش العرب في عصر الاحتجاج اللغوي في بقاع مترامية أطرافها، متباينة بيئاتها، مختلفة قبائلها، فألقى ذلك بظلاله على تنوع لغوي، أغنى العربية في تشكّل أصواتها، وثراء ألفاظها، وتصّرف دلالاتها، وتوسّع تراكيبها، وحسبك في تعدّد القراءات القرآنية خير مثال يشهد على هذا الثراء اللغوي. ودراسة لغات العرب القديمة أضحى لها وَقْع في الدرس اللغوي المعاصر، إذ تعمّق الباحثون في مصادر العربية يتتبعون سماتها ويكشفون ظواهرها، فصنَّفوا في ذلك بحوثًا قيّمة، ككتاب (اللهجات العربية في التراث) للدكتور أحمد علم الدين الجندي، وكتاب (اللهجات العربية في القراءات القرآنية) للدكتور عبده الراجحي، ثم توالت البحوث في لغات العرب، كهذيل، وطيء، وتميم، وقريش، وأزد السراة، وعقيل، وحِمْير، واليمن، وربيعة، وأسد.
وفي نفس السياق أكَّد الباحث في دراسة سابقة أنَّ هذه الدراسات النوعية تساعد على تقديم بحوث مُعَمَّقة، وتشخيص دقيق للظواهر اللغوية والخصائص اللهجية التي تختص بها لهجة عن أخرى؛ وذلك يدفع إلى تصميم أطلس لغوي دقيق، يكشف لنا خريطة اللهجات العربية القديمة، وما تختص به كل لهجة من سمات صوتية، وظواهر تركيبية، وحقول دلالية.
ويقول الباحث: ومع هذه الأهمية هناك أهمية خاصة لموضوع هذه الدراسة تتلخص في أمرين، أولهما: أنَّ المنظِّرين للاحتجاج اللغوي أطلقوا تعميمات أسقطت حُجِّية بعض لغات العرب، ولا تزال تلك التعميمات يردِّدها باحثون معاصرون، لكنها عند التمحيص تجدها تخالف ممارسة علماء العربية للاحتجاج اللغوي، وهذا ما ناقشته الدراسة، وهو أمر له أهمية في التنظير اللغوي عند العرب، ويبحث في أصول التفكير اللغوي عندهم.
وثانيهما: أنَّ هذه الدراسة تلفت عناية دارسي التراث العُماني ومحقِّقِيه إلى جملة من القضايا اللغوية الخاصة بعربية أهل عُمان، وترفدهم بألفاظ عمانية من عصر الاحتجاج اللغوي، وهي ألفاظ يُظَن أحيانا أنَّ الدراجة العُمانية صاغتها وأنه لا أصل لها في فصيح العربية، بل إنَّ بعض محقِّقي التراث العماني يحيد أحيانا عن المدلول العماني لتلك الألفاظ مع أنها متناثرة في مصادر اللغة، وهذا الإشكال عالجه الباحث أيضا بشيء من التفصيل في بحث آخر بعنوان (خُصُوصِيَّة اللفظ العُماني في ذاكرة التراث وأزمة الفَهْم المعاصر.)
وفي سياق تلك الأهداف اللغوية العامة منها والخاصة تأتي هذه الدراسة لتتناول (لغة أهل عُمان في عصر الاحتجاج اللغوي)، وهي لغة لم يُفْرد لها من قبل - حسب عِلْم الباحث - دراسة تبحث قضاياها، فتقف على مصادرها، وتوضِّح مفهومها، وتكشف أصولها، وتناقش حُجِّيَّتها، وترصد.
قَدَّمَ مؤلف الكتاب دراسة موجزة وفي النفس أشياء وأشياء من لغة أهل عُمان، فثمة أفكار حقُّها أن توسَّع، ومسائل تحتاج إلى مزيد نظر وتتبُّع، ومباحث جديرة أن تطرق، وبعد النظر في ذلك كلّه - قدر الجهد والاستطاعة - كانت الدراسة التي بين يديك، وقد أُدِيرت الدراسة على سبعة مباحث، مسبوقة بتوطئة معنونة بـ(عُمَان في سُطُور)، تضمنت نبذة يسيرة عن عُمان في تاريخها وأعلامها وحراكها العلمي والأدبي.
ثم توالت المباحث السبعة، فاختصَّ الأول منها بالوقوف على (المصادر التراثية للغة أهل عُمان)، من حيث التعريف بها وبيان حضور اللغة العُمانيّة في كل مصدر منها، وسيكون للدراسة وقفاتٌ مع بعض تلك المصادر، ولا سيما جمهرة ابن دريد. وانصرف المبحث الثاني إلى بيان (مصطلح: لغة أهل عُمان)، أما المبحث الثالث فقد تناول (الأصول اللغوية للغة أهل عُمان)، واتَّجه المبحث الرابع إلى دراسة (عربية عُمان: فصاحتها وحُجِّيَّتها)، وستجد في مستهل هذا المبحث مناقشة لنظرية الاحتجاج اللغوي من خلال (نَص الاحتجاج)، من حيث إنَّ هذا النص لا يعكس بدقة تعاطي علماء العربية الاحتجاجَ اللغوي، مع اليقين بأهمية التأطير الزماني والمكاني للاحتجاج.
وقد خُتِمَ هذا المبحث بالحديث عمَّن «لُقِّبَ بالعماني وهو ليس عُمانيًّا»، فثمة من لُقِّبوا بـ(العُماني) من الشعراء المحتج بهم ومن غيرهم وهم ليسوا عمانيين أصلا، والذي ألجأ الدراسة إلى إفراد هذا العنوان التنبيهُ على هذا الأمر، واقتصرت الدراسة على ثلاث شخصيات يرد ذكرها في مصادر الأدب واللغة. أمَّا المبحث الخامس فاتَّجه إلى الحديث عن (المستوى الصوتي للغة أهل عُمان) في ثلاثة مؤشرات صوتية وخُتِمَ هذا المبحث بسرد (ألفاظ عمانية) من عصر الاحتجاج اللغوي، صنَّفتها الدراسة في حقول دلالية، كالزراعة والطعام والحيوان والبحر والطبيعة العامة والأسماء والصفات الإنسانية، ثم سَرْدت الدراسةُ طائفةً من (أعلام البقاع العمانية) مما ذكرتها مصادر اللغة، وقد جاءت منسوقة على حروف المعجم، وأخيرا تناولت الدراسة في مبحثها السابع (الأمثال في لغة أهل عُمان) نثرا وشعرا من حيث كون هذه الأمثال تحمل لغة بيئتها.