أقامت وزارة اﻷوقاف والشؤون الدينية مؤخرا معرض التسامح في اﻹسلام، والذي افتتحه معالي الشيخ عبدالله بن محمد السالمي وزير اﻷوقاف والشؤون الدينية .. حيث جسد المعرض وأبرز قيم التسامح اﻹسلامي، وقدم نماذج من الجهود التي قامت بها وزارة اﻷوقاف والشؤون الدينية من خلال تجوالها في مدن العالم المختلفة وهي تحمل قيم التسامح والتعايش الذي تقدمه سلطنة عُمان للعالم كنموذج للتسامح الديني وكصورة حية للتسامح اﻹسلامي..
والتسامح قيمة من القيم التي رسخها إسلامنا المجيد، ورسختها شريعتنا الغالية.
وبالتسامح تتعاضد الأمة وتتكاتف وتتكامل وتتوحد .
وبالتسامح تشق طريقها بين الأمم ويعلى قدرها.
التسامح والتساهل والتيسير والوسطية قيم حث عليها الإسلام، فالقرآن الكريم مليء بالآيات التى ترسخ هذه القيم، والسنة النبوية الشريفة مليئة بالأحاديث التي تقعد هذه القيم، وهي مليئة أيضا بالمواقف التي تبين كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متسامحا مع أهله ومع جيرانه ومع أصحابه، بل مع أعدائه.
وهي مليئة ايضا بالمواقف التي كانت لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تدل على أنهم بلغوا أعلى درجات التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القيم.
والتاريخ مليء بنظريات التسامح بين علماء أمتنا وأئمتهم العظام الذين ضربوا المثل والقدوة في تطبيق قيم الإسلام وترسيخ معانيها بين الناس قولا وفعلا.
ومن خلال هذه المقاﻻت نتعرف على هذه المعاني الجليلة التي هي سبيل إلى وحدة الأمة.
حيث سنتعرف على مفهوم التسامح في اﻹسلام. .... ومن خلال نصوص القرآن الكريم ...وحياة النبي صلى الله عليه وسلم ..وحياة الصحابة والتابعين من علماء المسلمين. ....

التسامح فى اللغة يعني: السماح والسماحة ... ومنه أيضاً: الجود.
ورجل سمح وامرأة سمحة .
وسمح وأسمح اذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء .
وسمح لي فلان أي أعطاني، وسمح لي بذلك: وافقني على المطلوب.
والمسامحة: المساهلة . وتسامحوا : تساهلوا
وسمح وتسمح: فعل شيئا فسهل فيه .
وقولهم: الحنيفية السمحة: التي ليس فيها ضيق ولا شدة.
القرآن والتسامح
يقول الله تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)
فقد أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه خلق الناس جميعا من نفس واحدة وهي آدم ، وجعل من هذه النفس زوجها حواء ، ثم جعل الله شعوبا ـ وهي بطون الأعاجم ـ وقبائل ـ وهي بطون العرب ـ فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية الى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية، وهي طاعة الله تعالى ومتابعة الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم.
وقد خلق الله الناس على هذه الصفة ليحصل التعارف بينهم، وجعل الله التفاضل عنده سبحانه وتعالى بالتقوى لا بالأحساب، لذلك قال صلى الله عليه وسلم "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا"
وقال ايضا : "إن الله لا ينظر الى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "
وقال ايضا : " كلكم بنو آدم وآدم من تراب ... "
ويقول الله تعالى : (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك )
فلو شاء الله تعالى لاضطرهم الى ان يكونوا أهل أمة واحدة أى ملة واحدة، وهي ملة الاسلام ، ولكنه سبحانه وتعالى مكنهم من الاختيار الذي هو أساس التكليف، فاختار بعضهم الحق ، واختار بعضهم الباطل، فاختلفوا لذلك ، إلا ناسا هداهم الله ولطف بهم، فاتفقوا على دين الحق .
ويقول الله تعالى: (لا إكراه في الدين)
فالله عز وجل لم يجعل الايمان الا قائما على الاختيار، فقد أمر الله عز وجل ألا يكره أحدا على الدخول في الاسلام، وقد قال العلماء : إنها نزلت في قوم من الانصار، إلا أن حكمها عام .
فهذه آية عظيمة فى سماحة الاسلام، اذ لا يدخله أحد الا باختياره ولا يجبر أحد على اعتناق الدين ، وهذا يدل على ان الاسلام دين يتعايش مع الآخرين، ومع غير المسلمين ، ويدل على ان المسلمين مطالبون بأن يعيشوا مع غيرهم في سماحة، ودون ان تكون العقيدة عائقا للمعاملات والتصرفات بينهم وبين بعضهم .
وقال تعالى :
(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)
فقد أمرنا الله عز وجل أن نبر بهؤلاء الذين يخالفوننا في العقيدة، ورخص لنا في ان نصل من لم يجاهر منهم بقتال المؤمنين أو بإخراجهم من الديار.
وقد قيل في مناسبة هذه الآية أن أسماء بنت أبي بكر قدمت أمها قتيلة بنت عبد العزى عليها، وهي مشركة بهدايا فلم تقبلها، ولم تأذن لها في الدخول ، فنزلت هذه الآية ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدخلها وتقبل منها وتكرمها وتحسن إليها.
ويقول الله تعالى : ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ...... )
فقد أحل الله عز وجل ذبائح أهل الكتاب ـ وهذا أمر مجمع عليه ـ وكذلك أحل الله عز وجل الزواج من الحرائر والعفائف من أهل الكتاب.
وهذا يدل على أن القرآن الكريم أحل التعامل مع الغير حتى في أدق الأمور وأخصها ، فأباح الطعام، ويدل هذا على الاختلاط بينهم، لأن الطعام لا يكون إلا في البيوت عادة، كما أباح الزواج، وهذا يدل على الاختلاط في بأدق معانيه، والبر في أحسن صوره.
ويقول الله تعالى:
(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)
فبالرغم من أن سب آلهة المشركين في ذاتها تعتبر طاعة، الا أن القرآن نهى عن ذلك واعتبر ذلك معصية، لأنها تكون مفسدة في هذه الصورة، وذلك كالنهي عن المنكر فإنه طاعة، بل من أجل الطاعات، إلا أنه اذا علم أنه يؤدي الى زيادة الشر انقلب معصية ووجب النهي عنه.
ويقول الله تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة)
وقد ورد عن ابن عباس : كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك هذه الآية، قال ابن عباس : عرض الدنيا تلك الغنيمة.
فقد أمرنا الله عز وجل أن نسلم من ألقى علينا السلام، ولا نعتدي عليه ، فقد جعل الله تحية الإسلام السلام، فلا ينبغي علينا أن نغض الطرف عن هذه التحية، ونعادي من يلقيها علينا .
ويقول الله تعالى : ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون)
فانظر إلى سماحة القرآن الكريم التي تتسع المعادي للدين الاسلامي فشملت الذين لا يرجون لقاء الله ولا يرجون الآخرة، فهؤلاء طلب منا القرآن الكريم أن نسامحهم وأن نغفر لهم، وأن نعفو عنهم، ثم يكون الجزاء والحساب فى الآخرة .
آيات العفو :
ذكرت مادة "العفو" في القرآن الكريم في حوالي خمسة وثلاثين موضعا .
والعفو صفة من صفات الله عز وجل ، فهو العفو الغفور .
قال الله تعالى (ولقد عفا الله عنهم)
وقال الله تعالى ( عفا الله عما سلف )
وقال تعالى (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات)
وقد أمرنا الله عز وجل أن نحتذي هذه الصفة، وأن يكون العفو سلوك المؤمن الصالح .
فأمرنا أن نعفو وإن كنا نملك الجزاء.
قال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله)
فمن عفا عن من ظلمه وأصلح ما بينه وبين من عفا عنه فإن الله عز وجل يكافئه بالأجر .
وجعل العفو أقرب شيء من التقوى ، وذلك في مجال الزواج والطلاق ، قال تعالى ( إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفو أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير)
فقد ذكر الله عز وجل في بداية الآية (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فيجب للمرأة اذا طلقت قبل المسيس أو الدخول النصف، ويرجع النصف الآخر للمطلق، ثم قال سبحانه وتعالى (إلا أن يعفون) أي لكن أن يتم العفو من الزوجات فيتركن للأزواج هذا النصف (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وهو الزوج فيترك كل المهر، ثم قرر أن العفو أقرب للتقوى. فندب الى العفو من الجانبين الزوج والزوجة. هنا يجعل الله العفو والتسامح أساسا في معاملة كل واحد مع الآخر وان كان بينهما ما بينهما من شقاق.
وحثنا على العفو عن السوء وندب إليه:
فقال تعالى (إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفو عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا)
وهنا يتحدث القرآن الكريم عن إظهار الخير أو إخفائه ـ بأن يعمل سرا ـ أو العفو عن الظلم كل ذلك سبب لعفو الله ومغفرته.
وندب ايضا الى العفو :
فقال تعالى ( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم)
وقال تعالى (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم)
ففي الآية الاولى يطلب منا الله عز وجل ان نعفو عن الأزواج والأولاد في تثبيطهم إيانا عن الجهاد والهجرة في سبيل الله معتلين بمشقة الفراق .
والآية الثانية نزلت في أبي بكر فقد حلف ألا ينفق على مسطح وهو ابن خالته، وكان مسكينا مهاجرا لما خاض في الإفك وناس من الصحابة أقسموا الا يتصدقوا على من تكلم بشيء من الإفك، فأمرهم الله بالعفو حتى يكون ذلك سببا للغفران.
وحث على العفو بكظم الغيظ، فقال تعالى (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)
فيتحدث القرآن عن الذين ينفقون في طاعة الله في اليسر والعسر، ويكظمون غيظهم مع قدرتهم، ويعفون عن من ظلمهم ويتركون عقوبتهم، فإن هذه الأفعال سبب للإثابة والمغفرة، ويكون الإحسان بهذه الأفعال.
وقد أوصى القرآن الكريم بأن ندفع ونرد ونجازي السيئة بالحسنة ووعد الله عز وجل بأن من فعل ذلك كان له عاقبة محمودة.
فقال تعالى (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار)
وقال تعالى (ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون)
وقال تعالى : (وعبادالرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما )
فأمرنا أن نسالم السفهاء والطائشون .
وقال تعالى : ( ... ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )
فبين لنا الله سبحانه وتعالى ان دفع السيئة بالحسنة بلا قسوة ولا غلظة ، يجعل بينك وبين من كانت عداوته ظاهرة ، كأنه صديق قريب مهتم بأمرك وشئونك.
وقد أمرنا القرآن الكريم بالاحسان في عدة آيات :
فقال تعالى : ( .... وقولوا للناس حسنا ... )
أي قولوا للناس قولا حسنا .
وقال تعالى (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
فبين سبحانه وتعالى ان الإحسان بعد إخلاص النفس لله تعالى وحده بالعبادة له الأجر الذي لا يخشى بعده خوف ولا حزن .
وقال تعالى: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)
فأمر تعالى بعد الانفاق في سبيل الله، والبعد عما يؤدي الى الاهلاك ، وهو ترك الجهاد وطلب بعد ذلك الاحسان .
وقال تعالى : (فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين )
فجعل الله جزاء هؤلاء المحسنين الجنة بأنهارها وخلودها .
وقال تعالى : ( ..... ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى )
وقال تعالى ( وهل جزاء الاحسان الا الاحسان )
وقال تعالى : ( ... إن رحمة الله قريب من المحسنين )
فقرر سبحانه وتعالى ان الرحمة قريبة من هؤلاء الذين أحسنوا في حياتهم .
وقرر القرآن ان المحسنين لا يضيع أجرهم أبدا
فقال تعالى: (واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين)
وقال تعالى (إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا )
ووعد الله المحسنين بالبشرى، فقال تعالى : ( وبشر المحسنين )
وقرر القرآن معية الله للمحسنين، فقال تعالى : ( وإن الله لمع المحسنين)
وقد أمرنا القرآن الكريم أن نجادل الذين يخالفوننا في العقيدة بالتي هي أحسن، فقال تعالى ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن )
فما بالك بمجادلة من يوافقوننا في العقيدة والتوحيد والاصول .....وللحديث بقية...

أحمد محمد خشبة إمام جامع ذي النورين ـ الغبرة الشمالية