في إطار اهتمام النهضة المباركة بالإنسان العماني خاصة في مرحلة الطفولة، كان الاهتمام بالمرأة والطفل معًا أولوية الأولويات في الجهود الرامية إلى الارتقاء بالإنسان العماني، ولا يخرج الاهتمام بالمرأة عن تلازمية العلاقة بين الاثنين (المرأة والطفل) ومن هنا كان الاهتمام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بالمرأة وتعزيز دورها في المجتمع وحفظ كرامتها وحقوقها وصيانتها تعظيمًا للدور الذي يتوقف عليها في القيام به خير قيام من مد المجتمع العماني بأبناء صالحين يعظمون قيمة مجتمعهم، ويسهمون في التنمية.
ما من شك أن الاهتمام بالمرأة هو أول الطريق نحو الاهتمام بالطفل بصفتها الحاضن الأول والمورد المبدئي للغذاء والدواء الضروريين لنموه، وما أن يأتي إلى الدنيا يصبح محط اهتمام الجميع من الأسرة الصغيرة إلى الأسرة الكبيرة ممثلة في كافة مواطني البلد.
وفي هذا الإطار يندرج أيضًا المؤتمر الوطني الأول لحماية الطفل من الإساءة والذي اختتم فعالياته أمس تحت شعار "معًا لوقف الإساءة ضد الأطفال" بتنظيم من وزارة الصحة ممثلة في المديرية العامة للخدمات الصحية لمحافظة جنوب الشرقية بالتعاون مع المديرية العامة للتنمية الاجتماعية بالمحافظة، حيث شرع أكثر من (250) من أطباء وممرضي الصحة النفسية وأخصائيي المدارس والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين ولجان حماية الطفل، في مناقشة مظاهر الإساءة للأطفال وأشكالها، والطب البديل وعلاقته بسوء معاملة الأطفال، ومهارات ووسائل الكشف المبكر عن حالات الأطفال المعرضين للإساءة بالمدارس، وحقوق الطفل في الإسلام، ووجهة نظر الإسلام في الإساءة للأطفال، وكذلك قانون الطفل والحماية الأسرية، وقراءة في الأدبيات المتعلقة بحماية الأطفال من الإساءة، واستراتيجية وزارة الصحة لبرنامج التعامل مع حالات الإساءة، والآثار النفسية المترتبة على الإساءة للطفل والسلوك العدواني لدى طلبة المدارس والأساليب العلاجية النفسية للتعامل مع سوء معاملة الأطفال ودور مؤسسات الرعاية الصحية الأولية. كما سلط المؤتمر على اهتمام السلطنة بالطفولة وحماية الأطفال من الإساءة في ضوء توقيع السلطنة على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل عام 1996 .. وذلك بعد أن تم إدراج هذه الاتفاقية من ضمن القانون الدولي من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في العشرين من نوفمبر عام 1989.
ويتزامن هذا المؤتمر الوطني الأول مع مناسبة اليوم العالمي للطفل الذي يوافق العشرين من نوفمبر من كل عام، حيث لا تزال أوضاع الطفولة في العالم تعاني العديد من الإساءات، فقد أكدت منظمة الأمم المتحدة في رسالة لها نشرتها على موقعها الإلكتروني وفاة 6.6 مليون طفل دون الخامسة من العمر خلال عام واحد، وأن هناك 168 مليون طفل في العالم تتراوح أعمارهم بين خمسة إلى سبعة عشر عامًا يعملون، مشيرة إلى أن هذا اليوم (أي العشرين من نوفمبر) يوافق اعتماد الجمعية العامة إعلان حقوق الطفل عام 1959م واتفاقية حقوق الطفل في عام 1989م، في حين أكدت منظمة الفاو أن هناك 51 مليون طفل في العالم دون سن الخامسة مصابون بمرض الهزال، بينما أكدت منظمة الصحة العالمية أن هناك نحو 8ر21 مليون رضيع على الصعيد العالمي محرومين من اللقاحات الأساسية.
ولا ريب أن مثل هذه المؤتمرات وحلقات العمل والمحاضرات يعطي عالم البحث العلمي والطبي والنفسي إضافة جديدة في مجال الطب السلوكي والنفسي وطب الأطفال على وجه الخصوص، ولذلك تكون مثل هذه المؤتمرات التي تلتئم على أرض السلطنة بمثابة حراك بحثي شديد الأهمية، يحقق لنا التواصل المستمر والسريع مع أحدث مخرجات العلم في هذا المجال وغيره من المجالات المرتبطة بحياة الطفل ورعايته صحيًّا واجتماعيًّا، باعتباره رجل الغد الذي يتم تأهيله على أفضل وجه ليقوم بواجبه تجاه وطنه وأهله، ومن ثم فهناك ارتباط وثيق بين ظروف نشأة الطفل وحالته الصحية، سواء البدنية أو النفسية أو العقلية منها، وهو ما تناولته فعاليات المؤتمر الوطني الأول على مدى يومي انعقاده حول حقوق الطفل. وكلما حصل الطفل العماني على حقه في الصحة والتعليم والتأهيل، قربنا ذلك من تحقيق أهدافنا التنموية في كافة المجالات الأخرى.