لا سبيل أمام البشر سوى التعايش مع الاحتراز، وسيكون من الطبيعي ارتفاع الإصابات، حيث فيروسات كورونا لا تخلق مناعة، كما يحدث مع فيروسات الإنفلونزا، فقد يصاب بها الملايين سنويا، ومع ذلك لا تخلق لهم مناعة، وإن حدث لا تتعدى ثلاثة أشهر على أقصى تقدير..
تحت الضغط النفسي والاقتصادي، لم تنتظر دول عديدة نهاية الفيروس، وشرعت في رفع القيود التي فرضت لاحتوائه من منطلق سياسة التعايش، حيث عجلة الاقتصاد يجب أن تدور، وعملية الإنتاج يجب أن تستأنف. ومن الطبيعي عند فتح الأسواق والمطارات وعودة حركة الحياة، أن تشهد الأجواء ارتفاعا جديدا في عدد الإصابات، يطلق العلماء على هذه الحالة موجة ثانية، تلك الموجة ـ إن اشتدت ـ قد تعيد العالم إلى نقطة الصفر أو المربع الأول وهو الإغلاق التام.
لكن مهما اتخذ من طرق للوقاية أو طبق أفضل الإجراءات، فإن الفيروس سيعود، ولا قوة تمنعه من ذلك. إذن يجب التعامل مع الناس من منطق كسر العادة، أو خلخلة الطقوس الاجتماعية ولو مؤقتا، فلا تستطيع أي سلطة ـ مهما بلغت قسوتها ـ إرغام الناس بين ليلة وضحاها على تغيير أنماط وعادات عمرها مئات السنين، لطالما اعتادوا التزاور والجلوس معا والسهر معا والتنزه معا، ومن الصعب إبعاد الناس عن بعضهم بعضا، سواء في الترفيه أو العمل أو التنقل أو المناسبات الاجتماعية، من الصعب العودة بالناس إلى الحياة البدائية أو التقوقع داخل صوامع مغلقة.
رغم هذا، وفي حال استشعار المخاطر، تستخدم سلطة الدولة في فرض الإجراءات الاحترازية بقوة القانون، الذي يحقق الحفاظ على السيطرة وفرض التباعد الاجتماعي، مع تقليل شبح الخراب الاقتصادي. وفي حال تفشي وباء كورونا يمكن بالقوة الجبرية للقانون فرض استخدام الكمامات فور خروج الشخص من منزله ولحين عودته، مع تغليظ العقوبة والغرامة حال التراخي، فقد أثبت بالدليل العلمي أن أقنعة الوجه تقلل الإصابة بالفيروس بنسبة 80% على الأقل.
لكن، ومن المنطقي جدا عند فتح الأنشطة التجارية ومع العودة للحياة الاجتماعية، أن تظهر موجة ثانية تحدث ارتفاعا في الإصابات، قد تجلب معها دعما بسيطا في المناعة البشرية، وهنا إما أن تكون قابلية الفيروس على الانتشار قد انخفضت، وإما أن تكون مناعة البشر قد ارتفعت، وهذا ما يؤكده ارتفاع حالات التعافي بشكل ملحوظ، وأحيانا يفوق عدد الإصابات اليومية. جائحة كورونا لم تنتهِ بعد، فما زال انتقال الفيروس يتم من خلال الاختلاط بأشخاص قد أصيبوا، وهنا يبقى انتقال العدوى قليلا جدا بفعل التدابير الاحترازية والتباعد الاجتماعي. عكس ذلك ومع الاستهتار، وعدم التقيد بالتعليمات والإرشادات، ظهرت انتكاسة لبعض الدول التي أعلنت من قبل سيطرتها على الفيروس، حدث ذلك في الصين وإيطاليا وإسبانيا وأغلق من جديد إقليم كاتالونيا، ومع ذلك الأمر ليس بالمرعب مع التيقظ الوبائي الفائق، وزيادة فحوص الكشف عن الفيروس، مع تصويب الاهتمام نحو البؤر التي تسبب العدوى.
لا سبيل أمام البشر سوى التعايش مع الاحتراز، وسيكون من الطبيعي ارتفاع الإصابات، حيث فيروسات كورونا لا تخلق مناعة، كما يحدث مع فيروسات الإنفلونزا، فقد يصاب بها الملايين سنويا، ومع ذلك لا تخلق لهم مناعة، وإن حدث لا تتعدى ثلاثة أشهر على أقصى تقدير، الفيروس يتغير بينما المناعة تقل.. إذًا من الصعب أن تخلق مناعة مستديمة تجاه هذا النوع من الفيروسات. من المحتمل أن يضعف هذا الفيروس وقد يختفي بحد ذاته؛ لإنه غير قابل للتعيش مع الإنسان؛ لكونه ناتجا عن طفرة جينية وليس بريا، ومن المحتمل أيضا أن يندثر في النهاية، خصوصا مع الإعلان عن نجاح اللقاحات التي تختبر سريريا في أكثر من دولة محققة نتائج مبهرة في تحييد الفيروس وتكوين أجسام مضادة له، بل وتسهم في قتله والحد من توغله في الجسد البشري.
البشرية ما زالت ترزخ وتئن تحت سطوة هذا الفيروس المتسارع الانتشار، ومن الخطورة أن تقوم أي دولة برفع الحظر والعودة إلى الحياة الطبيعية، والأخطر تخفيف الإجراءات بشكل كبير، فقد ينتهي الأمر إلى موجة ثانية عنيفة، خصوصا مع بداية فصل الشتاء، حيث تنتشر فيروسات كورونا الأخرى بسهولة أكبر، نعم قد تصبح الفيروسات أقل خطورة، لكنها تتطور وتتحور لإصابة الناس بشكل أسرع، فقط انتبهوا... كورونا فيروس خبيث قليل الأصل.

فوزي رمضان
كاتب صحفي مصري
[email protected]