“.. ويبدو أن التباطؤ الاقتصادي الناجم عن انتشار فيروس كورونا قد شجع على موجة جديدة من محادثات الاندماج أو الاستحواذ بين البنوك الخليجية. وبطبيعة الحال، فإننا ندعم باستمرار الاندماج بين البنوك الخليجية، لأنه سوف يؤدي إلى نشوء كيانات مالية قوية قادرة على تحمل أعباء تمويل المشاريع الكبرى..”
استكمالا لمقالاتنا السابقة حول توجهات البنوك العربية في التعامل مع تداعيات جائحة كورونا، نلاحظ ـ من دون شك ـ أن انتشار الجائحة شكل تحديا جديا للمصارف العربية، لجهة تأثيره على الأرباح المتوقعة ونمو التمويل الذي قد يكون محدودا خلال العام الحالي، حيث من المتوقع أن تركز المصارف على المحافظة على مؤشرات جودة الأصول بدلا من التوسع في منح تمويلات جديدة في ظل الأزمة الحالية. ويتمثل جزء من مخاطر التمويل في أن نسبة كبيرة من ودائع المصارف، وخصوصا المصارف الخليجية، مصدرها الشركات الحكومية أو المملوكة للدولة، والتي تتراوح ما بين 10% إلى 35% من إجمالي الودائع، حيث قد تقوم تلك الشركات بسحب جزء من تلك الودائع بغرض تمويل الاحتياجات الطارئة المرتبطة بمكافحة الجائحة.
وتشير التوقعات إلى تراجع في ربحية غالبية المصارف العربية خلال العام 2020، وخصوصا بسبب تأجيل استحقاقات القروض والارتفاع المتوقع في معدلات التعثر لدى عملاء المصارف. ومن المستبعد جدا أن يؤثر هذا التراجع في الربحية على ملاءة المصارف ومتانتها المالية بسبب نسب الرسملة العالية التي تحوزها واحتياطات السيولة الكافية.
وقد أصدر اتحاد المصارف العربية مؤخرا دراسة اقترح فيها العديد من التوصيات للبنوك العربية في التعامل مع تداعيات جائحة كورونا، حيث دعا الاتحاد البنوك إلى المحافظة على ممارساتها المصرفية السليمة وعدم تغيير القواعد المتبعة حاليا. كما دعاها أيضا إلى استخدام الهوامش الوقائية التي جرى بناؤها خلال الفترات السابقة، حيث تشكل هذه الاحتياطيات مصدات للتخفيف من تأثيرات الأوضاع الاقتصادية والمالية الناجمة عن كورونا. وفي الوقت الذي يجب أن تعمل فيه البنوك على مراجعة وتقييم هيكل استحقاقات وجودة محافظها التمويلية والاستثمارية بصورة مستمرة بغرض اتخاذ الإجراءات الوقائية المطلوبة، فإنه من الأفضل أيضا أن تتعامل بشفافية مع أوضاعها المالية وعدم التغطية على حجم تأثرها لكي تخلق أجواء من الثقة والاطمئنان. وبطبيعة الحال، فهي مطالبة أيضا بالاهتمام بالجوانب التشغيلية والتنظيمية المتعلقة بسلامة وأمان أنظمة التشغيل وخطط الاستمرارية مع التوسع في تقديم الخدمات المصرفية الرقمية لكي تضمن الأمن والأمان في تقديم هذه الخدمات.
كما أشار تقرير الاتحاد إلى قضية الاندماجات بين البنوك العربية، حيث من المتوقع أن يؤدي اندماج البنك الأهلي التجاري ومجموعة سامبا المالية إلى تكوين ثالث أكبر بنك في الخليج، وأكبر بنك في السعودية. وسيستحوذ الكيان الجديد على 30 في المائة من الودائع المحلية بما يعادل 553 مليار ريال ليحتل بذلك المرتبة الأولى بين بنوك المملكة.
وحتى ما قبل انتشار جائحة كورونا، كانت القطاعات المصرفية في دول الخليج تشهد موجة من الاندماج، حيث سعت البنوك إلى طرق لتحسين القدرة التنافسية، وخفض تكاليف التشغيل، وزيادة رأس المال وسط تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع أسعار النفط. ويبدو أن التباطؤ الاقتصادي الناجم عن انتشار فيروس كورونا قد شجع على موجة جديدة من محادثات الاندماج أو الاستحواذ بين البنوك الخليجية.
وبطبيعة الحال، فإننا ندعم باستمرار الاندماج بين البنوك الخليجية، لأنه سوف يؤدي إلى نشوء كيانات مالية قوية قادرة على تحمل أعباء تمويل المشاريع الكبرى ومواجهة التحديات الاقتصادية المختلفة التي تعصف بالعالم. كما سوف تساعد عمليات الدمج البنوك الخليجية على منافسة البنوك الأجنبية، كما تسهم في إمكانية مواكبة التحديات الاقتصادية الراهنة وخصوصا أزمة كورونا، بالإضافة إلى دعم مشاريع الرؤية الوطنية الطموحة، وتحفيز المستثمرين الدوليين والمحافظة على الاستثمار في القطاع المصرفي المحلي، وكذلك دعم مشروعات الدولة. كما تعزز عمليات الاندماج بين البنوك قدرة هذه البنوك على توظيف استثمارات أكبر في استراتيجيات التحول الرقمي في الصناعة المصرفية، وهي الاستراتيجيات التي باتت تحظى بأولوية كبيرة لدى البنوك والجهات الرقابية المصرفية والحكومات والمجتمعات على حد سواء.

عدنان أحمد يوسف
رئيس اتحاد المصارف العربية سابقًا
رئيس جمعية مصارف البحرين