كان أحد أهداف الثورة استعادة فلسطين بعد خسارة العرب في ١٩٤٨م، فقامت حرب ٦٧م التي خسرها العرب فأعلن عبدالناصر تنحيه عن الحكم فقامت المظاهرات يومي ٩ و١٠ يونيو ٦٧م في شوارع القاهرة مطالبة عبدالناصر بالاستمرار في قيادة الأمة والاستعداد للحرب تحت قيادته..
تحتفي جمهورية مصر العربية ومختلف التيارات القومية والناصرية بالذكرى الثامنة والستين لثورة الضباط الأحرار التي قامت في الـ٢٣ من يوليو ١٩٥٣م، هذه الثورة التي غيرت مجرى التاريخ ليس في مصر وحدها، بل في عموم الجغرافيا العربية، وتجاوزت تلك المساحة لتصل تأثيراتها إلى الساحة الدولية، فجعلت من القاهرة أحد المحاور السياسية الدولية، وذلك بعد أن حققت تلك الثورة مبادئها الستة بالقضاء على الإقطاع، والقضاء على الاستعمار بتوقيع اتفاقية الجلاء عام ١٩٥٤م، والقضاء على سيطرة رأس المال على السلطة، وإقامة جيش وطني قوي، وإقامة عدالة اجتماعية تجسدت في حياة المواطن المصري، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة. ولا شك أن أهم مصدر لنجاح ثورة يوليو هو وجود قيادة محورية تمثلت في الرئيس جمال عبدالناصر الذي ربط جماهير الأمة العربية من المحيط إلى الخليج تحت قيادته، فكانت أهم أوراقه التي تصدى بها لقوى الاستعمار، بالإضافة إلى وجود نخبة من الضباط الأحرار المؤسسين لمجلس قيادة الثورة، كما تحققت وحدة عربية ضمنية، وتحقق التحرر للعديد من أقطار الوطن العربي بمساندة مصر جمال عبدالناصر، وتجسدت الاشتراكية بأبهى صورها فتم توزيع ملكيات الأراضي على الفلاحين بعد أن كانت مصر عبارة عن إقطاعية بأيدي عدد محدود من رجال الإقطاع والثروة، وفي مجال الدولة أقامت ثورة يوليو مؤسسات الدولة المصرية الحديثة، كما تحققت مجانية التعليم وتوسع التعليم والتعليم العالي، كما توسعت الدراسة في الأزهر الشريف واستقطب بعثات من مختلف دول العالم، وتطورت الفنون والبحوث العلمية، وبرزت قاعدة فكرية معرفية قدمت الكثير من النوابغ في مختلف المجالات كالعلوم والقرآن الكريم والفنون فأصبحت القاهرة مركزا مشعا في العالم العربي .
الإرادة التي توافرت لرجال يوليو بزعامة عبدالناصر جعلت من مصر تتبوأ مصاف الدول المتقدمة، فأولت الثورة اهتماما كبيرا بالصناعة فأنشئت ١٢٠٠ مصنع وحققت الرخاء الاقتصادي والازدهار، وبإرادة سياسية عظيمة تمكنت مصر من إقامة مشروع السد العالي الذي يعتبر من أضخم المشاريع العالمية في ذلك الوقت، وتم تأميم قناة السويس عام ٥٦م الذي قدم لمصر موردا اقتصاديا كبيرا بعد أن كان الاستعمار يتقاسم ريعه، تبع ذلك التأميم العدوان الثلاثي على مصر أو ما يسمى حرب السويس التي غيَّرت مجرى التاريخ، فخرجت منها مصر منتصرة بقيادة عبدالناصر الذي أصبح زعيما محررا وملهما لثورات العالم المتحرر في إفريقيا وصولا إلى أميركا اللاتينية، كذلك أقامت ثورة يوليو بقيادة عبدالناصر عددا من المنجزات الاقتصادية والسياسية التي ما زالت ماثلة على الساحة المصرية حتى اليوم .
انطلق عبدالناصر إلى العالم الخارجي مبكرا فأسهم في إنشاء منظمة عدم الانحياز عام ١٩٥٥م بمشاركة جواهر لال نهرو وجوزيف تيتو وعدد من قيادات العالم الثالث، وفي عام ١٩٦٠ وقف عبدالناصر على منبر الأمم المتحدة موقف الأبطال المنتصرين، بعد أن تحقق لثورة يوليو خلال (٨) سنوات ما يوازي قرونا. ولا شك أن الأمة العربية تحقق لها حالة من العزة والكرامة خلال تلك الحقبة نظرا لوجود قيادة محورية وأمة عربية حية كل ذلك حققته ثورة يوليو العظيمة، كما كان لثورة يوليو عدد من المنجزات الأخرى كالميثاق الوطني، وبناء برج القاهرة وإذاعة صوت العرب ومبنى الإذاعة والتلفزيون التي ربطت الجماهير بقيادتها المحورية .
كان أحد أهداف الثورة استعادة فلسطين بعد خسارة العرب في ١٩٤٨م، فقامت حرب ٦٧م التي خسرها العرب فأعلن عبدالناصر تنحيه عن الحكم فقامت المظاهرات يومي ٩ و١٠ يونيو ٦٧م في شوارع القاهرة مطالبة عبدالناصر بالاستمرار في قيادة الأمة والاستعداد للحرب تحت قيادته نظير الثقة الكبيرة التي تجسدت بين الحاكم والجماهير، وذلك يمثل أعظم استفتاء على السلطة في العالم، ما أجبر عبدالناصر على العودة لمواصلة القيادة والاستعداد لحرب التحرير، فقامت حرب الاستنزاف العظيمة وتم تحديث الجيش واستقدام الأسلحة والاستعداد لحرب التحرير بمشاركة الأمة العربية، وتشكيل موقف عربي موحد استعدادا لتلك الحرب التي وقَّع ناصر خطتها الأولى في ١٩٧٠م، وتحقق النصر بعد رحيل عبدالناصر ١٩٧٣م .
إن الحديث عن ثورة يوليو لا بد أن يكون مرتبطا بالحديث عن المنجزات التي تحققت خلال تلك المرحلة بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر، واليوم إذ يشهد التيار القومي العربي ومصر عبدالناصر هذه الذكرى المجيدة، نسترجع ما قاله الرئيس الأميركي نكسون إن العالم تحكمه ثلاث قوى عالمية الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ومصر عبدالناصر؛ نظرا لما كان يمثله جمال عبدالناصر من مصدر قوة للعرب ودول عدم الانحياز والعالم الثالث، وبما حققه من منجزات صناعية وزراعية وعمرانية وعلمية ودينية وفنية ومختلف المجالات الأخرى، بل إنه عندما تحرك إلى منبر الأمم المتحدة وقفت كل الوفود تحيي عبدالناصر بالتصفيق حتى وصل إلى منبر الأمم المتحدة، ومع انسحابه لدى بدء كلمة مندوب كيان الاحتلال الإسرائيلي انسحب معه ثلث الوفود الحاضرة، ما يؤكد مكانته كزعيم عالمي كان أحد أهم ما قدمته ثورة يوليو المجيدة، فكان عبدالناصر يتحلى بالأخلاق والزهد والاعتزاز بقيمه العروبية ليقدم للأمة مبادئ وأفكارا وتجربة عظيمة ما زالت الجماهير العربية تستمد منه العنفوان والفكرة والمبدأ، وتنادي ناصر في كل مناسبة عربية من المحيط إلى الخليج فبقي خالدا في القلوب، وهكذا مثَّلت هذه الثورة أحد أهم المفاصل التاريخية في مصر والوطن العربي والعالم .

خميس بن عبيد القطيطي
[email protected]