قد لا يكون محتوى أو مضمون الكتاب بالأهمية القصوى لو صدر عن آخرين، لكن قوته وميزته تتمثل في هوية المؤلفة ومدى صلتها بالرئيس، وتوقيت الصدور، فترامب يعتبره ضربة من الخلف، وحاول منع نشره بشتى الطرق، لأنه سيفتت الكتلة التصويتية التي يعول عليها..
رفضت المحكمة الأميركية طلب البيت الأبيض بوقف صدور كتاب (الفضائح) لماري ترامب (ابنة أخ الرئيس الأميركي)، وفي اليوم الأول لصدوره بيع منه نحو مليون نسخة، نظرا لتلهف المجتمع لمعرفة أحد الجوانب الأخرى في حياة دونالد ترامب، خصوصا وأن المؤلفة من أهل البيت، وعنونته بـ”الكثير جدا وغير كافٍ أبدا: كيف صنعت عائلتي أخطر رجل في العالم”.
كتبت في أحد مقالاتي مطلع يونيو الجاري مقالا بعنوان “السر الأبيض” تناولت فيه أهمية إصدار جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق بالولايات المتحدة كتابه “الغرفة التي شهدت الأحداث”، إلى جانب كتابي “نار وغضب” للصحفي الأميركي مايكل وولف، والمبني على معلومات وشهادات للمساعد السابق للرئيس دونالد ترامب ستيف بانون، و”المعتوه: مشاهدة من بيت ترامب الأبيض” لمديرة مكتب الاتصال العام في إدارة ترامب من 2017 حتى 2018 ومستشارته السابقة أوماروزا مانيجو نيومان، وأهمية الكتب الثلاثة في سرد ما يدور في أروقة البيت الأبيض، وتأثيراتها على الانتخابات الرئاسية المزمع إقامتها في نوفمبر المقبل.
كتاب ماري ترامب جدير بالقراءة والاطلاع، ليس لكونه أزاح كتاب جون بولتون من عرش المبيعات القياسية، وإنما للخصوصية التي تتمتع به مؤلفته؛ كونها مطلعة على الجانب الآخر غير السياسي للرئيس، لا سيما وأنها طبيبة نفسية في منأى عن السياسة، وعلى مدى ما يقرب من 4 سنوات كانت متحفظة في إبداء الرأي تجاه سياسات عمها الداخلية أو الخارجية، ما يمنحها مصداقية أمام القارئ، وتبدو شهادتها غير مجروحة.
ترامب سعى لتقويض ابنة أخيه، ومنع نشر كتابها، خصوصا وأن الكتاب مطلعه صادم، إذ يبدأ بشهادة عائلية معنونة “كيف صنعت عائلتي أخطر رجل في العالم؟”، ما أضفى عليه عاملي التشويق والإثارة، وخلق زخما إعلاميا حول محتواه، وما أدلت به من شهادات عن عمها وعائلتها، فوصفته بأنه “عنصري” فكان يتلفظ بكلمات معادية للسامية وعبارات تجاه السود، وسعيه الدؤوب لزرع التفرقة بين أبناء المجتمع، ولدى العائلة كلها ثقافة “عدم الاعتراف بالخطأ”.
وعن الهدف من كتابها، أعربت ماري ـ في لقاءات إعلامية ـ عن تخوفها من ولاية ثانية لعمها، ووصفت فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة بأنه “نهاية للتجربة الأميركية” لأنه “غير مؤهل”، كما تقول، وأن واجبها كمواطنة هو التنويه بما يضر المصلحة الوطنية؛ لأن ترامب “ألحق الضرر بالمؤسسات خلال ولايته الأولى وتجاوز الأنماط المعمول بها”.
قد لا يكون محتوى أو مضمون الكتاب بالأهمية القصوى لو صدر عن آخرين، لكن قوته وميزته تتمثل في هوية المؤلفة ومدى صلتها بالرئيس، وتوقيت الصدور، فترامب يعتبره ضربة من الخلف، وحاول منع نشره بشتى الطرق، لأنه سيفتت الكتلة التصويتية التي يعول عليها في انتخابات نوفمبر المقبل، وسيمنح منافسه الديمقراطي جو بايدن فرصة ثمينة لاستقطاب ناخبين جدد.
حملة ترامب تخوض معركة صعبة، ويبدو الفوز بها ضئيلا، فالوقت يسحب من الرصيد الانتخابي للرئيس، فأقال مدير حملته قبل نحو 100 يوم من الانتخابات، ويتقدم بايدن عليه بأكثر من 10 نقاط حسب استطلاع شبكة NBC و”وول ستريت جورنال”، وشغف الإعلام بتناول أخبار الكتب التي تتناول معاقل الحكم في ولاية ترامب.
قد يكون الديمقراطيون فشلوا في إسقاط الرئيس بالطرق الشرعية والقانونية عقب إفلاته من المحاكمة وتبرئة مجلس الشيوخ له، وقد تكون سطوته على مقاليد الحكم أجهضت جهود الأجهزة والمؤسسات في إبعاده عن البيت الأبيض، لكن بالتأكيد الكتب ستكون لاعبا أساسيا في توجيه الانتخابات الرئاسية المقبلة، ربما لأنها خاطبت المجتمع بصفة عامة، بخلاف المعارضة والمؤسسات التي خاطبت فئات محددة ومعينة ممن يمتلكون الأدوات لاتخاذ أو صناعة القرار. ولعل كتاب ماري ترامب سيكون أهمها على الإطلاق لأنه بمثابة “اللطمة” غير المتوقعة، وشهادة غير منحازة للسلطة، بل وسيكون ركيزة أساسية في توجيه الأوساط السياسية المحافظة، واستقطاب الناخبين غير المؤدلجين، وبدا ترامب متوترا وهو يهاجم ابنة أخيه في تغريداته ويصفها بأنها انتهكت اتفاقية “عدم الإفشاء”، لتكون الانتخابات الرئاسية المقبلة ساخنة جدا، وأتوقع أنها ستكون حبلى بالمفاجآت.