التجارة من المهن العريقة التي امتدت بجذورها منذ عصور قديمة، وقد اشتغل الآباء والأجداد في الأعمال التجارية والمهن المختلفة، وأعطوها جُلَّ اهتمامهم وعنايتهم ووقتهم، وقطعوا المسافات عبر البحار والصحراء لازدهارها وتنميتها، وتسويق بضائعهم وجلب المنتجات من كل بلدان العالم لسوقهم، وتوفير متطلبات أفراد مجتمعهم من بضاعة.. وغيرها التي يحتاجون لها في مآرب حياتهم ومعيشتهم، وقد اكتظت الأسواق بالباعة والمتسوقين في حراك اقتصادي وتظاهرة اجتماعية في كل أسواقنا في أرجاء البلاد طولها وعرضها، ومن بعيد نسمع صوت المنادي وصيحاته في كل صباح ينادي في حلقات البيع والشراء، ويفد الناس من كل حدب وصوب إلى عرصة السوق و(تباريزه) وتلك المحلات في ردهاته والمعطرة برائحة روعة المكان وأهله لتجسد روح الحياة وعمق الأصالة والحضارة الإنسانية.
اليوم وأنت تخطو في ردهات السوق وتشاهد تلك الصور من تلك الملحمة التي صاغها الإنسان العماني بتمسكه بمهنته الأصيلة من مشاهد في سوق عبري، تجد الأبناء يخطون على نهج الآباء والأجداد تفتخر بهذا الجيل والذي حافظ على تقاليده ومهنته ورفع شعار: (لا للتجارة المستترة) بل وقف في وجهها وقفة صامدة مثابرًا ومكافحًا ومحافظًا عليها، ولم يسلِّم مفاتيح مهنة آبائه وأجداده للوافد الذي عبث ونخر كالسوسة في مهنتها وعراقتها.
ولعلني أضرب هنا خير مثال لذلك، الشاب الطموح الذي ضرب أروع وأصدق معاني الوفاء والانتماء لمهنة الآباء، واختار مهنة التجارة حرفة ومَعلمًا له بعد تخرجه من مقاعد الدراسة.. إنه (التاجر أحمد الوائلي) الذي صاغ بجده واجتهاده مسارًا جميلًا تجلَّت فيه كل المعاني في قاموس تجارة الآباء والأجداد والمثَل الأعلى للشباب الطموح والمثابر، وأعطاها كل وقته وجهده، وجعلها قاعدة أساسية في مسار حياته وطموحاته وخدمة مجتمعه، ففي كل مرة أزور سوق عبري ذلك المَعلَم التراثي تأخذني الخطوات للسلام عليه تقديرًا وتعظيمًا لتضحياته ومثابرته وكفاحه.
واليوم ـ ولله الحمد ـ نرى شباب الوطن وهم يتسابقون بخطى حثيثة في إدارة مشاريعهم الوطنية في كل الأنشطة والأعمال، فإننا نسعد باتخاذهم الخطوات الصحيحة التي تُسهم في استقرار المهن والحرف وتُسهم بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية مسارات نحو وأد التجارة المستترة وعبثها بهذه المهن والحرف والتي جاءت بتشجيع من بعض أصحاب الأعمال والسجلات التجارية الغافلين عن قيمها الحقيقية، وتركوها لفئة من الوافدين عملوا لصالحهم مقابل حفنة من الريالات أخذها الكفيل نهاية كل شهر.
الصحوة الشبابية بالقيمة الحقيقية من المهن والحرف وعوائدها المادية تجعلنا في المسار الصحيح، فليبارك الجميع هذه الخطوات الرائدة من تقديم كل وسائل الدعم والتشجيع لضمان استقرارها في السوق بالثقة المطلقة، وأيضًا بتسهيل قنوات التمويل والتراخيص في المعاملات التي تتطلبها جهات الاختصاص للمقبلين على افتتاح وإدارة المشاريع بأنفسهم واحتضانهم بكل الوسائل، وعدم تصعيب خطواتهم في المراجعات والمطالبات التي تقف عقبة أمام تحقيق أمنياتهم وطموحاتهم، وأن ترى النور دون منغصات تُذكر.

سعيد بن علي الغافري
مسؤول مكتب «الوطن» بعبري