مقدمة:
مع أني لا أحب المسافات البعيدة، فقد سافرت إلى مدنية حلب السورية عدة مرات، بعضها سياحة والباقي لإعداد وإخراج برنامج عن الآثار والفنون الإسلامية في المدينة .. بين دمشق وحلب أكثر من ثلاثماية وخمسين كيلومترا، وهو ذاته بين بيروت وبينها .. يمكن قطعها بالسيارة الصغيرة أو بالحافلة أو عبر القطار أو بالطائرة.
ــــــــ
حلب مبهرة في الزيارة الاولى، واكثر ابهارا كلما قصدتها .. كان علي للتعرف عليها ان ازورها شارعا شارعا ومنطقة اثر منطقة، ومع ذلك كان يقال لي انك لم تر منها سوى القسم اليسير، فيما هي عامرة اكثر فاكثر ومنبسطة في عدة اتجاهات . في احدى المرات سكنت فندقا عريقا اسمه " لابارون " قيل لي ان الجنرال ديجول نزل فيه وكذلك لورانس العرب وغيرهما من الشخصيات المعروفة العربية والغربية باعتبار ان الفنادق قليلة العدد في المدينة، بل كان الاعتبار الاجتماعي السائد انه من المعيب انزال ضيف المدينة مهما كان في فنادق.
حلب تحولت اليوم الى قضية كبرى شغلت العالم ونالت اهتماما منه .. فإضافة الى مانالته من خراب وتدمير، خضعت لسرقات مثيرة لم تشهد لها منطقة اخرى في العالم، حيث تم سرقة مصانعها ومعاملها وتدمير آثارها وتصفية مواقعها التاريخية .. انها حدث يستحق الانتباه والتنبه اليه، فماذا سيفعل الحلبيون في المستقبل واصحاب تلك المصانع استفاقوا ذات يوم فإذا باملاكهم قد نقلت الى اماكن اخرى خارج سوريا، بل ان معدات تلك المصانع كانت المقصودة اذا عرفنا ان حلب، وهي العاصمة الاقتصادية لسوريا، لعبت دورا مهما في الاقتصاد السوري، بل على اكتافها تقريبا قامت جل الصناعات السورية المهمة التي كانت تنافس الصناعات الغربية، وتتحمل تلك المدينة تقريبا الجزء الأكبر من حالة التوازن الاقتصادي في سوريا كلها.
لابد إذن من الإضاءة على هذه المسألة الخطيرة جدا والتي لانعرف اين ستصل بها الأمور حال انتهت الحرب على سوريا .. فهل ترفع دعاوى عالمية، خصوصا وان معظم المصانع تلك وكذلك المعامل مؤمنة بالكامل، ولأن الحرب مازالت قائمة، وحلب منقسمة على نفسها عسكريا، فان الضجة حول هذا الموضوع لم تثر بعد، لكنها لن تخضع للسكوت حال تبدل الأمور في سوريا. كما لابد من التلميح الى الاعتبارات الدولية التي ساقها المبعوث الاممي الى سوريا ستيفان دي ميستورا من اقتراحه للقيادة السورية بعملية تجميد الوضع العسكري في حلب كتجربة يمكن لنجاحها ان يعمم على كل سوريا وان يعتبر بمثابة مقدمة للحل السياسي الشامل.
لكن وقبل الدخول في الموضوع الحساس، يحق لنا التعرف على المدينة بما تمكنه تلك الدراسة من خلال معلومات مستقاة .. فاذ مادخلنا اليها، لابد ان نتواجه بعدة مشاهد ترافقنا دائما، فاولا هنالك حديقتها الكبرى التي تعود لسنوات طويلة ويقف في وسطها تمثال شهير للشاعر ابو فراس الحمداني ابن المدينة والذي عاش وعاصر الدولة الحمدانية التي سيأتي الكلام عن منجزاتها الثقافية والحضارية لاحقا. لكن وكيفما التفت الى المدينة ومن اي مكان وزاوية لابد ان تواجهك في كل الاحوال قلعتها الشهيرة التي هي معلمها الحضاري الاساسي، وكل اشارة الى حلب يجب ان تمر من خلالها، بل هي المكان المؤنس الذي لايجب تخطيه على الاطلاق. اما المعلم المهم ايضا، فهو سوقها الذي يبلغ طوله ستة عشر كيلومترا وكله مسقوف تقريبا، ومن المحزن انه اليوم دمر واحترق ولم يبق في بعضه كما اخبرنا من اثر. واذا اردنا متعة للنظر بقيمته التاريخية ايضا ومكانته الدينية في عمر المدينة، فيبقى الجامع الكبير هو الهدف من هذا الكلام واذا ما ابتعدنا عن جديد حلب، فإنه يمكن القول إن أكثر مناطقها لا تزال موغلة في القدم حتى يمكن القول انها متحف في الهواء الطلق .. ربما يطلق هذا التعبير على مدينة مثل روما او على فييينا العاصمة النمساوية مثلا او بعض عواصم اوروبا، الا ان حلب بصراحة قد تبزهم جميعا في عراقتها وفي قديمها وفي شوارعها الموحية بهذا القدم وبتاريخية لامجال الا رؤيتها ومعايشتها.
ـتاريخ من تاريخ
يقول تاريخ المدينة إنها واحدة من اقدم المدن المأهولة في العالم حيث انها كانت مأهولة بالسكان في بداية الالفية السادسة قبل الميلاد .. ويرجع اهمية تاريخها الى كونها نقطة تجارية استراتيجية في منتصف الطريق بين البحر الابيض المتوسط وبلاد مابين النهرين وفي كونها في نهاية طريق الحرير الذي يمر عبر آسيا الوسطى .. وبقيت حلب لقرون اكبر المدن السورية وثالث مدينة في الدولة العثمانية بعد اسطنبول والقاهرة. تحولت التجارة الى البحر عندما تم اقتتاح قناة السويس وبدأت حلب بالتراجع بشكل بطيء .. تلقت المدينة اكبر ضربة عند بداية القرن العشرين، فعند سقوط الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى سلخت عن حلب اجزاؤها الشمالية التي ضمت الى تركيا عام 1920 وهي لواء اسكندرون وذلك بالاتفاق بين اتاتورك وسلطات الانتداب الفرنسي .. ادت اتفاقية سايكس بيكو وفصل العراق عن سوريا الى كساد وتدهور كبير في اقتصادها .. وفي عام 1940 فقدت امكانية وصولها الى البحر المتوسط بعد خسارتها لمنفذها الرئيسي على البحر المتوسط في الاسكندرونة .. كما تراجع موقع حلب السياسي بسبب جعل مدينة دمشق عاصمة لسوريا.. رغم ذلك، بقيت المدينة عاصمة اقتصادية اولى لسوريا، اصبحت المدينة القديمة لحلب من مواقع التراث العالمي عام 1956.
نتقصى المدينة التي تتربع على عرش تاريخ محكي، نقصدها في اكثر المواقع اثارة ونشتهي اللجوء الى فحص مكوناتها التاريخية، فنجد الاسلام مضيئا فيها بعد تراكم عصور مختلفة اذا اعتبرنا انها موغلة في القدم.
فقد اخذني في يدي المؤرخ الحلبي محمد قجة مرورا بأسواقها القديمة الى مسجد صغير جدا لايتسع لاكثر من عشر اشخاص في الحد الاقصى وهنالك اشار الى انه اول الامكنة التي دخلها المسلمون حيث تم تجميع السيوف فسمي المكان اسم جامع التروس نسبة الى الترس وكان كل ذلك بقيادة القائد الاسلامي عياض بن غنم كما يضيف قجة، الا ان الحملة لافتتاح حلب برمتها جاءت بقيادة سيف الله المسلول خالد بن الوليد عام 637 ميلادي .. لكن العهد الاسلامي المزدهر الذي مازالت ملامحه في المدينة آثارا تدل عليه، هو العصر الحمداني الذي جاء انشقاقا عن الدول العباسية بقيادة سيف الدولة الحمداني والتي عاشت فيه المدينة عصرها الذهبي وكانت احد الثغور المهمة في الدفاع عن الاسلام في وجه المد البيزنطي .. ولأهمية المدينة موقعا ودورا، فقد احتلت لفترة قصيرة اثناء الصراع البيزنطي السلجوقي، ثم حاصرها الصليبيون مرتين ولم يتمكنوا من احتلالها خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر نتيجة مناعتها. ونسأل عن القائد صلاح الدين الايوبي كدور من اجل المدينة فيحدثنا قجة عن ان المدينة انضوت تحت لوائه عام 1183، ثم قام المغول باحتلالها بعدما احتلوا قلعتها وارتكبوا فيها مذبحة كبرى قطعت فيها الرؤوس والايدي والارجل .. لكنها عادت الى كنف المسلمين بعد معركة عين جالوت المظفرة بقيادة القائد المملوكي قطز، ثم هي استقلت عن الدولة المملوكية التي كان مركزها القاهرة عندما قام السلطان بيبرس باعلان الانفصال .. واذ تتابعت فصول التاريخ، فان اكثر الملامح بروزا في المدينة هي مرحلة الدولة العثمانية التي سنأتي على ذكر أوابدها .. ففي عام 1516 وقعت اكبر معارك التاريخ في منطقة مرج دابق القريبة من حلب وحاول المماليك الدفاع عن المدينة بوجه العثمانيين الا انهم لم يتمكنوا .. وبدخول حلب تمكن العثمانيون من التوسع في ارجاء المنطقة وصولا الى المغرب العربي.
نتجول في المدينة تحت رسم التاريخ الذي صنعها وربما صنعته، تطالعنا ابوابها القديمة التي مازال جزء منها يتحدث عن نفسه وهي جزء مهم من سور المدينة ككل .. ومن ذاكرة المدينة فقد كانت هذه الابواب منفذ اهل حلب عبر السور المنيع الذي رد عنهم هجمات الغزاة على مر العصور، على انه يمكن القول ان كل ضربة سيف او سقطة رمح او طلقة منجنيق لابد وانها قد تركت اثرا او حفرة او ندبة على هذه الابواب التي كان عددا تسعة ولم يبق منها سوى خمسة. ولاعتبار حلب ذات طراز معماري قديم تميزه الاسواق المسقوفة والخانات والحمامات والمدارس الاسلامية القديمة، اضافة الى المساجد التاريخية والكنائس ايضا، فهي بالتالي تم اعتبارها كنزا بحاجة للعناية المستمرة فقد اعتبرت المدينة موقعا للتراث العالمي عام 1986.
في تلك الايام التي زرت فيها حلب خلال التسعينات من القرن الماضي، كانت في قمة تألقها، فأتيح لي اثناءها من زيارة الاسواق والخانات .. عشت يوما كاملا وانا اتجول فيها، اشتم روائح مختلفة من هال الى صوف الى ياسمين الى ... وكلها مترابطة ببعضها ومسقوفة بطول ستة عشر كيلومترا تقريبا .. لايوجد لهذه الاسواق مثيل في العالم العربي وحتى في العالم.
نتجول اكثر، فالتجوال في مدينة كبيرة مفتوحة على ارجائها جميل ومفيد في المعرفة، وأبرز ماترانا بعيونها كيفما حللنا هي قلعتها الشهيرة التي تصدم كل زائر للمدينة .. فهي عبارة عن مدينة متكاملة فيها المسجد وفيها الحمام وفيها السوق وفيها اماكن النوم وفيها قاعة العرش التي اتخذها صلاح الدين الايوبي مكانا لاقامته، وفيها المسرح .. انها حياة متكاملة تصلح للعيش كما تصلح للاختباء اثناء الغزوات الكبرى .. ولعلها شهدت الكثير منها خلال عمرها المديد.
ونكمل في ارجائها فنرى مدارس قديمة منها الحلاوية ومنها المقدمية ومنها الاشهر وهي المدرسة الظاهرية .. لكن الذي لفت نظرنا اثناء التجوال في تلك الاسواق التي نشتم منها رائحة ازمنة متعددة، ماكان يسمى في تلك الازمان بالبيمارستان او المستشفى اليوم، وخصوصا ذلك الذي يعود الى ارغون الكاملي الذي بني عام 1354 والذي يقدم لنا سجلا مهما كان الطبابة المتقدمة ابان الاسلام، اذ يحوي البيمارستان مكانا للراحة ومكانا آخر عبارة عن غرفة عمليات ومطبخا للطعام وحمامات والاهم هي الغرفة التي كان يوضع فيها اصحاب الامراض العصبية الذين كان تطبيبهم بواسطة الموسيقى، وهي نظام اسلامي في حين كان المصاب بتلك الامراض في اوروبا يتم جلده لاخراج الشيطان من جسده كما تقول الروايات.
نتحرى المدينة اكثر فيطلع علينا الجامع الاموي الكبير الذي قام بتدميره مؤخرا الارهابيين الجدد وهو جامع رحب بناه الخليفة الاموي وليد بن عبد الملك ويتضمن مزارا للنبي زكريا ومن يدخله يشعر براحة نفسية نظرا لاتساعه ولعمارته وهندسته الاسلامية. اما جامع الاطروش فكان مملوكيا .. واما المساجد الباقية فكثيرة العدد والاسماء، منها جامع العادلية، والطفاشي، الصاحبية، والخسروية العثماني الذي هندسه المعماري التركي سنان صاحب الطريقة الخاصة في بناء المساجد والجوامع التي نراها في تركيا عموما، وجامع التوتة وغيره ... كل تلك الاوابد مازالت على حال من التماسك رغم الزمن الذي مرعليها وهي شاهدة على عصورها ..
قدر لي زيارة الآثار الحمدانية الخالدة في المدينة، فكان ان ذكر لي المؤرخ قجة ان افضل عصور المدينة ازدهارا من حيث الفن والثقافة والعلوم والشعر وغيره كان اثناء حكم سيف الدولة الحمداني .. فلابد بالتالي من اعتبار حلب مدينة تجمع هذا كله، ولا يمكن ذكر الفن في الوطن العربي دون ذكر حلب في طليعتها .. فقد اهتم سيف الدولة الحمداني الذي تعلمناه في كتب التاريخ بالعلوم فظهر في عصره عدد من الاطباء المشهورين ابرزهم الرازي الذي كان اعظم اطباء الاسلام واكثرهم شهرة وانتاجا .. ومن ابرز فلكيي زمان سيف الدولة، المجتبى الانطاكي وديونيسيوس ، واذ عني سيف الدولة ايضا بالفلسفة والمنطق وغيره، فلمع في بلاط الحمدانيين الفارابي وابن سينا واما في مجال علوم العربية وخصوصا في اللغة فقد ظهر ابن خلويه وابو الفتح بن جني وغيرهما .. والمهم ايضا ان ديوان سيف الدولة الحمداني كان قد ضم اهم شعراء العرب قاطبة وهو المتنبي، ثم ابو فراس الحمداني، والوأواء الدمشقي، والصنوبري، وغيرهم، وكذلك ابو الفرج الاصفهاني صاحب كتاب الاغاني الذي اهداه الى سيف الدولة فكافأه بالف دينار، ولا بد في النهاية من ذكر ابن حوقل الموصلي الذي اشتهر بعلم الجغرافية وهو صاحب كتاب المسالك والممالك.
تلك هي حلب في قديم زمانها، اما في جديدها فلا بد من الاشارة اليه نظرا لاهميته ودوره في الفن العربي عموما .. اذ تشتهر المدينة بالفرق الموسيقية التقليدية التي تقوم بغناء الموشحات الدينية والقدود، ويشتهر اهل حلب ولعهم بالطرب والغناء، وهي تعتبر عاصمة الطرب في الوطن العربي، فقد وفد اليها من بلاد العرب اعلام في الفن من اشهرهم سيد درويش، كما لايزال اسم المطرب صباح فخري لامعا في سماء الغناء العربي وفي القدود الحلبية تحديدا، كما تميزت حلب بانها كانت مهد النشيد المعاصر الذي تميز بالمديح النبوي.
وليل حلب جميل ايضا، يمكن من خلاله زيارة فنونها الأخرى من مسارح كثيرة الى قاعات الفن التشكيلي التي برع فيها اسماء معروفة ..
انه غيض من فيض بل نحن نوجز زنكثف مشاهدات لواقع موجود نتمنى من قلوبنا ان يظل على حاله ولو ان الاخبار عنه سيئة حيث قيل ان العديدمن الاثار الهامة تم تدميرها بفعل فاعل ارهابي لايريد للمدينة تاريخا ولا معاصرة بل يريدها قاعا صفصفا كما هو حال كل البرابرة الذي احتلوا المدينة وقاموا بتدميرها بشكل ممنهج من اجل الغاء حضارتها وثقافتها وقيمها الانسانية.
///حلب اليوم او المدينة المأزومة
من المحزن جدا القول إن المدينة تعرضت لأبشع انواع الهدم والتدمير، لكأن ثمة مؤامرة عملت للقضاء عليها بغية محوتاريخها وحتى حاضرها .. من الصعب التجول اليوم فيها نظرا لحالتها ولمصابها الاليم، فهي مقطعة الاوصال كما توصف، يخيم عليها الآسى الذي صار حالة دائمة .. لانصدق ان تلك المدينة اصابها ما اصابها من تخريب متعمد حتى على ايدي بعض السوريين، ناهيك عن أولئك الوحوش البشرية القادمة من اصقاع الارض والتي لاتفرق بين ماتراه ولاتعرف الصح من الخطأ.
في كل الاحوال ننقل الحقيقة كما نقلتها الاخبار الاخيرة عن المدينة التي تعتبر قلعة سوريا الاقتصادية، التي تهاوت تماما بفعل الازمة الضاربة في سوريا كلها .. فقد توقفت عجلة الانتاج كما تقول احدى الكتابات عنها، فقد انتهى الأمر الى عملية تدمير ممنهجة للبنى التحتية للصناعة الحلبية اتخذت شكلا لصوصيا في مايعتقد انه سيكون ملفا مهما في المحاكم الدولية حين تسمح الظروف الامنية بذلك.
حين رفضت حلب مد يدها الى الارهابيين والتعامل معهم، قام هؤلاء اصحاب افعال النجاسة بالتعدي على المدينة من خلال اعمال خطف واهانات على الطرقات ثم تهديد بالقتل لصناعيين وبحرق معاملهم لتصل الى عملية تدمير كبرى لم تحصل في تاريخ الصناعة، وكذلك حرق وتفكيك الالات ونقلها الى تركيا.
يقول الصحافي باسل ديوب ان مسلسل تدمير الصناعة السورية في حلب بدأ بافتعال حريقين متتاليين في مجموعة معامل علبي على طريق حلب دمشق .. وقبل عملية الحرق قتل الصناعي محمد النويس، وكلها تصرفات مدروسة قامت على خطط ممنهجة من قبل مخططين كبار غير سوريين بالاساس .. ثم خطف بعدها اثنان من الصناعيين، لتكر بعدها السبحة بخطف المئات من اثرياء حلب واطبائها وابنائهم وبناتهم مقابل الفدية التي كانت بعشرات الملايين بداية الازمة .. حالة رعب تملكت صناعيي حلب بعد كل مامر من عنف ضدهم تحديدا، جاء ذلك بالتزامن مع قطع الطرقات وتوقف السكك الحديدية وانابيب المشتقات النفطية وتعرض القوافل التجارية التي تحمل المواد الاولية والسلع المصنعة للنهب لتبدأ مرحلة دفع الخوات لقادةالمسلحين.
في رمضان من العام 2012 بدأت اكبر عملية تدمير ممنهجة لمعامل حلب، كما يضيف الصحافي ديوب، حيث تشير مصادر في غرفة صناعة حلب الى تجاوز عدد المعامل التي نهبت وسرقت الالف معمل، وقد وثق الجزء الاكبر من استعدادا لمقاضاة الدولة التركية المسؤولة عن ذلك حيث حصل بعلمها واشرافها ومشاركتها تفكيك المعامل ونقلها اليها، مشيرة الى ان رقم الخسائر تجاوز 300 مليار ليرة سورية .. الاف المعامل الكبيرة والمتوسطة نهبت وسرقت محتوياتها من السلع المصنعة والمواد الاولية فيما الآلات التي وجدتطريقها مفتوحة بكل حرية الى الاراضي التركية وبعضها جرى قصه بالمناشير الفولاذية ليصبح خردة ومن ثم الصهر في المعامل التركية. ويستشهد صناعي حلبي بقيام تركيا باعتقال عدد من المحامين الاتراك الذين زاروا سوريا وحصلوا على الوثائق التي تدين حكومتهم في قضية تدمير الصناعة الحلبية وسرقة المعامل .. بل انه بالمقابل اتصالات بين رجال أعمال سوريين مقيمين في باريس مع نظراء لهم في حلب لاقناعهم بالتفاهم مع مسلحي الميليشيات لافتتاح مابقي من المعامل مقابل مبالغ مالية، الا ان المحاولة محكوم عليها بالفشل وفق صناعي كبير تلقى عرضا من ضابط سوري منشق يقيم في باريس لان الامر ليس متعلقا بسماح المسحلين بافتتاح المعمل فحسب، بل بتأمين طرق المواصلات والوقود وحرية قوافل الترانزيت. موضحا ان التفاهم مع المجموعات المسيطرة على المدينة الصناعية لايكفي، بل يجب ارضاء عشرات الكتائب المنتشرة على الطرقات الدولية او التي يمكنها خلال دقائق الوصول اليه وقطع الطريق.
يبلغ عدد العمال في القطاع الخاص في حلب نحو 500 الف عامل فقد معظمهم عمله بسبب سيطرة المسلحين على المناطق الصناعية وصعوبة التنقل وافلاس الكثير من الصناعيين .. بالمقابل عرض رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي على مسلحي حلب تشغيلهم في المعامل وحراستها مقابل القاء السلاح والانضمام الى العملية السياسية مؤكدا قدرة المجتمع الاقتصادي الحلبي على اعادة البناء خلال عام واحد فقط.
وكان الشهابي قد صرح لاحدى وكالات الانباء ان غرفة الصناعة والتجارة في حلب لديها كل الادلة التي تثبت التورط التركي بسرقة خطوط انتاج وآلات مئات المعامل مختلفة من مدينة حلب وتهريبها .. واشار الشهابي الى ان سرقة الارهابيين ونهبهم للمصانع والمعامل في حلب ترمي الى تدمير الاقتصاد السوري والحاق اكبر الضرر بالصناعة السورية المنافسة للمنتجاب التركية وخلق شرخ بين قطاع الانتاج الوطني وبين الدولة في سوريا. وطالب الشهابي الحكومة التركية بدفع تعويضات عن الاضرار التي لحقت بالصناعة في محافظة حلب جراء تسهيلها عبور الارهابيين المسلحين عبر الحدود واوائهم في اراضيها. واشار الشهابي انه لاتوجد تقديرات دقيقة لكامل خسائر الصناعيين في سوريا جراء الارهاب المجموعات المسلحة بسبب عدم القدرة على الوصول الى بعض المعامل موضحا ان الارهابيين قاموا بسرقة نحو الف معمل بآلاتها وتججهيزاتها . ولفت الى ان التقديرات الاولية للاضرار المباشرة التي لحقت بالمعامل والمنشآت الصناعية في حلب جراء الاعمال الارهابية تفوق 200 مليار ليرة سورية مبينا ان هذا المبلغ لايشمل الدمار الذي لحق بالابنية والاسواق الاثرية التي لاتقدر بدورها باي ثمن ولا يشمل ايضا الخسائر المتراكمة والمتزايدة بشكل يومي الذي لحقت بالصناعيين جراء خروج هذه المعامل من الخدمة .
تلك التقارير مصدرها اذن سنتي 2012 ومنتصف 2013 ، فماذا عليه الأمور بعد ذلك وقد استجد الكثير الذي لانعرف عنه شيئا من دمار وتخريب وازادة في عمليات النهب التي وصلت ذورتها خلال العام 2012 وكأن الصوص من اصل سوري كانوا في سباق مثلهم مثل غيرهم من الغرباء في تدمير منجزات بلدهم واقتصاده ..
تئن مدينة حلب مما وقع عليها .. تمد يدها لأي مسعف يقيها من حظ عاثر وقعت فيه تلك المدينة الجميلة والجليلة التي تلبس الاغلى لأنها انة التاريخ المحكي ، فاينما ذهبت اليها تجد فيها ذلك السر المقيم من تواريخ لاتمحى .
لابد من توقف الحرب كي تستعيد المدينة التي تعرف بانها ام الصناعات السورية عافيتها ونشاطها ، وكما قال الشهابي فهي قادرة على اعادة حياتها الصناعية الى الوجود خلال عام ، والكلام هنا ليس برسم التهويل ،بل هو حقيقي ومن يعرف حلب يمكنه ان يعرف قدرات اهلها التالي .
في كل مرة كنت ازور فيه المدينة الأحب الى نفسي ، اشعر باني وانا اخرج منها ان الوقت لم يكن كافيا لالمس اكثر فاكثر ماهو متشعب في مساحتها الكبيرة . كان الاجمل عندي وانا اتسلل بين شوارعها الضيقة بجانب آثارها الخالدة ومعي دفتري الذي كم نسيت الكتابة فيه بعدما اخذني تمام الشكل الذي كنت اواجهه .
واجمل مافعلته مرة اني جلست قبالة القلعة اشرب الشيشة الحلبية بكل مكوناتها المختلفة .. بل كان الاجمل والانقى ، حين دخلت مرارا الى قلعتها بصحبة فنان تشكيلي هو مصطفى الحلاج الذي أسرته المشاهد الداخلية للقلعة ، كما اسرتني ايضا ، فبتنا لانريد الخروج منها ، وكان يمازحني بالقول " ليتني كنا من عهود سبقت كي نتعرف على تفاصيلها الانسانية الكثيرة في مواجهة الكوارث والاعداء والمهاجمين " وكان يحاول الانصات الى حجارتها القديمة منبها لي انه يكاد يسمع حوارات لاشك انها حصلت بين مدافعين عن الدمينة وبين اهلها وصراخات حصلت اثناء اقتحام المكان .
جميلة حلب ، فهي لاتنسى ، وكيف ينسى المرء متحفا في الهواء الطلق فيه من جماليات التاريخ مالا يمكن وصفه الا كونه صناعة يد انسان احب المكان فآنسه بلمسات من عندياته .