مع تزايد الاهتمام الدولي والإقليمي بتنمية الموارد البشرية والتنمية الإدارية كانت بلادنا قد قطعت خطوات رائعة ومقدرة في هذا المجال وحازت خبرة في ذلك يشار إليها بالبنان، وفوق ذلك لم تقف جهود السلطنة نحو تنمية الموارد البشرية عند حد ما تحقق، بل دائمًا تسعى إلى المزيد في هذا الشأن، ولذلك هي سباقة إلى المشاركة في كل فعالية، سواء كانت إقليمية أو دولية من شأنها أن تحقق نجاحًا وثراءً في تراكم الخبرة وتطوير الأداء والإنتاج للموارد البشرية، حيث يبادر ذوو الاختصاص في الداخل بتنفيذ التوصيات والاستفادة من الدراسات وأوراق العمل التي تقدم في كل المحافل ذات الصلة.
وبعيدًا عن أي مزايدات أو مجاملات فإن التنمية البشرية والاهتمام بكل ما هو إنساني أو متعلق بالإنسان في المجتمع هو توجه عماني أصيل، حيث كان الاهتمام بالإنسان العماني توجهًا مبدئيًّا لدى مؤسس نهضة عُمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي لم يفتأ يشدد على أهمية إيلاء الموارد البشرية العناية والرعاية اللازمتين والكافيتين، انطلاقًا من إيمان جلالته ـ أيده الله ـ بأن الإنسان هو منطلق أي عمل تنموي وهو حافزه الأول وأيضًا هو هدف أي برنامج تنمية أو تحديث، وبالتالي كان لا بد من استنهاض إمكانات المواطن وتأهيله وتثقيفه والاهتمام بأحواله المعيشية وتوفير فرص العمل له وتحسين دخله، والتأكيد على أهمية الاستقرار الوظيفي في القطاعين العام والخاص.
لقد كان كل ذلك محل نقاش مثير للاهتمام والانتباه تحت قبة مجلس الشورى أمس، بل كان ناقوسًا يدق أبواب المعنيين في هذا الوطن وخاصة أولئك الذين يتقلدون المناصب في القطاع العام، وأولئك الذين يديرون الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص، من حاضر هذا الوطن الطيب ومستقبله بالنظر إلى التحديات التي تعترض السياسات العامة وكذلك الخاصة بتعمين الوظائف وتوفير فرص العمل للباحثين عن عمل، حيث برز حجم الجهود المبذولة نحو ذلك ونحو تذليل الصعوبات والتحديات في بيان معالي الشيخ خالد بن عمر المرهون وزير الخدمة المدنية أمام مجلس الشورى، وفي النقاشات المستفيضة التي اتسمت بالشفافية والوضوح والصراحة التي أعقبت البيان.
وعلى الرغم من الخطوات الكبيرة التي قطعتها الحكومة في إطار تنفيذ التوجيهات السامية بحصر الباحثين عن عمل وإيجاد وظائف مناسبة لهم، فإن هذه الخطوات المشهودة والمقدرة تواجه اليوم تحديات جديرة بالاهتمام وتسليط الضوء عليها، فهي تحديات من شأنها إفشال سياسة التعمين والاستقرار الوظيفي ما لم تكن هناك شجاعة كافية لدى متخذي القرار بالتحرك السريع نحو المعالجة الوازنة والعادلة، فالموظف أو العامل العماني أثبت أنه قادر على الحلول محل اليد العاملة الوافدة في كافة المجالات، وأنه لا يقل عنها قدرةً ومهارةً وابتكارًا في مجال عمله، لكن هذه الحقيقة لا تزال تعوقها تحديات إما نتيجة انعدام الثقة في المواطن وتوافرها في العامل الأجنبي من قبل نظرة أصحاب الأعمال وأصحاب الشركات والمؤسسات، وإما لسيطرة الرغبة في الربح السريع باستغلال الموظف أو العامل، والرفض المطلق لدى بعض رجالات الأعمال وأصحاب الشركات والمؤسسات تحسين الأجور والمساهمة في الاستقرار الوظيفي، الأمر الذي أدى إلى استقالات الأيدي العاملة الوطنية والبحث عن الدخل الجيد في القطاع العام، مهددين الدولة بالترهل والشيخوخة المبكرة. وفي الحقيقة هذا ما حذر منه معالي الشيخ وزير الخدمة المدنية أمام أعضاء مجلس الشورى أمس. ويضاف إلى هذا التحدي تحدٍّ آخر وهو عدم ملاءمة المخرجات لسوق العمل بسبب التخصصات المعروضة، ولذلك طرح عدد من أعضاء المجلس أفكارًا ومقترحات بالنظر إليها يمكن أن تعطي حلولًا مثل إنشاء مجلس للموارد البشرية في السلطنة، وتقليص شروط مدة الخبرة في بعض الوظائف العليا والتي أصبح يحتلها غير العمانيين، وكذلك بتشكل لجنة وطنية دائمة تعنى بدراسة سوق العمل في السلطنة.