تحولت مباحثات الأزمة السورية في مؤتمر جنيف 2 الذي عقد في مونترو بسويسرا من الحديث عن السلام إلى الحديث عن الإرهاب .. ليحيد بذلك المؤتمر عن مساره ويفرغ من أهدافه ويصبح جعجعة بلا طحن بسبب عدم توصل الأطراف المتنازعة إلى حل جذري ينهي الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري في المستقبل القريب.. حتى الوفود المشاركة في القمة لم تستطع الضغط بشكل كاف على الطرفين للتنازل والخروج بالبلاد من عنق الزجاجة فكل دولة ومنظمة من الأربعين الذين حضروا الاجتماع تنظر للقضية من وجهة نظرها التي تحقق مصالحها في المنطقة بغض النظر عن مصلحة سوريا العليا.
لقد وصل عدد القتلى منذ اندلاع الفتنة بين أبناء الشعب السوري إلى 150 ألف قتيل إلى جانب 100 ألف في عداد المفقودين فماذا ينتظر الطرفان ؟.. هل ينتظران سفك المزيد من الدماء البريئة التي لا ناقة لها ولا جمل في الصراع الدائر على السلطة ؟.. كما أن كل شيء جميل في البلاد تم تدميره من آثار خالدة وبنية تحتية ومروج خضراء وتم تشريد ملايين السكان الذين أصبح لا مأوى لهم ولا مدارس لأطفالهم ولا مصدر رزق يسدون به رمقهم .. بالإضافة إلى الاقتصاد الذي انهار ولم يعد هناك أي تداولات تجارية أو صناعية أو من أي نشاط اقتصادي.. فإلى أي حال يريد أن يصل الطرفان ؟.
إن سوريا أصبحت مرتعا للمتشددين والتكفيريين وكافة التنظيمات الإرهابية المختلفة التي أتت من كل صوب وحدب لتعيث في الأرض فسادا والتي أجمعت على هدف واحد هو تدمير البلاد وتحويله لخراب وزرع بذور الفتنة الطائفية والمذهبية بين أبنائه وإذا لم تتلاق أهداف النظام والمعارضة فإن الحرب الطاحنة سوف تأتي على الأخضر واليابس بالبلاد.
جميعنا كان يعرف أن المهمة الأممية للتوفيق بين الطرفين المتنازعين لم تكن سهلة .. ولكن كان يحدونا الأمل في أن يعلي كل منهما مصلحة الوطن والشعب فوق كل اعتبار ويعبران فوق الصراع ليحققا الاستقرار والأمن والأمان لبلدهما.
لاشك أن ما يحدث في البلد الشقيق من تناحر وتقاتل بين أبنائه يؤلم كل من يحمل في قلبه ذرة حب لبلاد الشام .. فبغض النظر عمن معه الحق من الطرفين سواء النظام أم المعارضة فإن حمام الدم الذي يسيل يوميا لابد أن يتوقف ومظاهر العنف لابد أن تختفي.. فالمؤتمرات التي تعقد بين الحين والآخر لا تسفر سوى عن إطلاق حفنة من الوعود الزائفة بتقديم مساعدات للشعب السوري لا يصله منها الكثير بينما يبقى الوضع على ما هو عليه من انفجارات وقتال ومجازر وحرب بالوكالة يقع ضحيتها الأطفال والنساء والشيوخ.
ما أحوج سوريا اليوم إلى الوحدة وتوحيد الصف وتغليب مصلحة البلاد العليا فوق كل مصالح .. لذلك بل يجب على المجتمع الدولي أن يسير في اتجاه توحيد الرؤى ولم الشمل فالنزاع العسكري لن يحل الأزمة بل إن الحوار البناء المثمر هو السبيل الوحيد للخروج من المأزق وهو ما يجب أن تتبناه جميع الأطراف المتناحرة التي ينبغي عليها تغليب العقل وتقييم الموقف بما يحفظ للبلاد وحدتها ويعيد لها قوتها وتماسكها.

* * *
وباء القاعدة ينتشر في مصر
تتعرض الشقيقة مصر هذه الأيام لهجمات إرهابية تدل على أنها مستهدفة من تنظيم القاعدة بدليل أن معظم تلك التفجيرات يحمل توقيع جماعة أنصار بيت المقدس المنتمية للتنظيم الإرهابي الذي بدأ ينتشر في بلادنا العربية كالوباء الذي يتفشى في المجتمع .. معلنة في تزييف للحقائق أن أعداءها هم الجيش والشرطة ولا أعرف ما علاقة الجيش والشرطة المصرية بانتهاكات بيت المقدس التي تعلن الجماعة أنها من أنصاره !.. وما ذنب القتلى والمصابين الأبرياء الذين وقعوا ضحية هذه الهجمات أو متحف الفن الإسلامي الذي تم تدميره والذي هو إرث إنساني نادر من الصعب إعادته مرة أخرى ؟.
إن ثورة 25 يناير عندما اندلعت منذ ثلاث سنوات وأطاحت بنظام حسني مبارك وأفرزت وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم ظن المصريون أنهم سيعيشون في رخاء ورغد وسيحققون أهداف ثورتهم وهي الحصول على الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية إلا أن ما حدث هو أن الجماعة لم تختلف كثيرا عن النظام السابق واحتكرت الحكم وكافة مناصب الدولة لأتباعها بدءا من رئيس الدولة مرورا بالوزراء حتى رئيس الحي بل تتابعت إخفاقاتها في مواجهة التحديات وزادت العداوات بمن حولها من جيش وشرطة وقضاء وإعلام وحتى دول شقيقة وصديقة فلم يتحمل المصريون أكثر من سنة هي فترة حكم الجماعة وثاروا مرة أخرى واستطاعوا في يوليو الماضي من استعادة البلاد مرة أخرى فكتبوا دستورهم الجديد ويترقبون انتخابات رئاسية وبرلمانية تحقق لهم أهدافهم.
الغريب أن ميدان التحرير في ثورة 25 يناير كان يضم الإخواني والسلفي والمسيحي والليبرالي والاشتراكي وكافة طوائف المجتمع يتقاسمون معها الألم والابتسامة .. بينما ما يحدث الآن هو أن أيا من هذه الطوائف لم تعد تحتمل الأخرى أو ترغب في أن تجتمع معها في مكان واحد والجميع أصبح يخون بعضه البعض وكأن الثورات قامت من أجل تفريق الشعوب وإذكاء نار الكراهية بينها وليس توحيدها ونشر المحبة فيما بينها.. ليثور تساؤل هام .. هل فشلت الثورة في مصر ؟.
إذا كان البعض يرى أن ما أعقب ثورة 25 يناير فشل في تحقيق تطلعات الشعب المصري فإن ثورة 30 يونيو التي تعد استكمالا للثورة الأولى سيحقق بإذن الله ما يطمح فيه الشعب المصري طالما كان متلاحما ومتوحد الرؤى ومتكاتفا في مواجهة الإرهاب الذي يحيط به من كل جانب.
لاشك أن الأيادي الخبيثة التي تعبث بأمن مصر وتشيع الفتنة بين أبنائها إنما تريد أن يأكل الشعب بعضه فتنهار الدولة وعلى أثرها تنهار الأمة العربية فهي رمانة ميزان العرب وواسطة عقده فإذا استقرت استقروا وإذا انهارت انهاروا.
إن المشاهد الدموية وإزهاق الأرواح والأعمال الإرهابية التي تستهدف المنشآت الشرطية والحكومية والمرافق العامة وكل ملمح حضاري للدولة المصرية يدمي القلب وينذر بانتشار الفوضى بين ربوع الدولة الشقيقة.. إلا أن مشكلة الشعب المصري تتلخص في كلمتين فقط إذا تحققتا انتهى الصراع إلى الأبد وهو المصالحة والوحدة الوطنية بين أطياف المجتمع فعلى جميع الأطراف نبذ العنف والمصالح الفردية وترك السلاح سريعا والالتفاف حول مصالح الوطن العليا بإرادة حقيقية وعزيمة ونية خالصة .. فما يحدث من صراع وسفك للدماء وتخريب وفوضى ليس من الدين في شيء وسيجر البلاد للخلف لسنوات عدة.
قلوبنا جميعا مع الأشقاء المصريين ونتمنى لهم خروجا آمنا من المأزق الذي يواجهونه ويحفظ بلادهم من كل شر وينعم عليهم بالأمن والأمان والاستقرار.

* * *
حروف جريئة
* أكد بحث حديث أن ضحايا الحروب وجرائم الإبادة الجماعية في القرن العشرين منذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945 بلغ 160 مليون شخصا وتمت هذه الجرائم برعاية الدول الاستعمارية فرنسا وأميركا وبريطانيا وأن مجموع ما قتل في هذه المدة يساوي أربعة حروب عالمية من حجم الحرب العالمية الثانية .. يبدو أن الإنسان ليس له ثمن وكان وسيلة لاختبار الأسلحة التي يتم اختراعها أولا بأول.

* حتى رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي لم يسلم من التجسس حيث اكتشفت السلطات وجود أجهزة تنصت زرعت داخل منزله ومكتبه .. قال أردوغان عن ذلك بأنه يعتبر “خيانة عظمى”.. ليته يوصل رأيه هذا لأوباما عسى أن يكف الرئيس الأميركي عن التنصت على خلق الله.

* في الوقت الذي تلقى فيه الرئيس المصري عدلي منصور رسالة من الرئيس الأميركي باراك أوباما تؤكد التزام واشنطن بمساعدة الشعب المصري على تحقيق الأهداف الديمقراطية التي قامت من أجلها الثورة وللتهنئة بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو .. استثنت الولايات المتحدة مصر من مباحثات "أميركا – أفريقيا" التي تنوي عقدها منتصف العام .. التصرف الأميركي يؤكد ما قاله الشاعر العربي: يسقيك من طرف اللسان حلاوة .. ويروغ منك كما يروغ الثعلب.
* * *
مسك الختام
قال تعالى : "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين"

ناصر الحمدي