قيس الخزيري ✽

المؤمن يحب التقرب إلى الله تعالى، لأنه يشعر بلذة مناجاة الله والصلة به، فحب الله تعالى يجري مع أنفاسه وتفكيره متصلًا بمولاه متقربًا منه، لذلك تجده مجتهدًا يتنافس في التقرب إلى الله بصنوف العبادات والطاعات، لا يفتر عن الذكر وقراءة القرآن، ويشعر بالسعادة الغارمة في حياته، فعن أبي هريرةَ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وسلم):(إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: منْ عادى لي وَلِيّاً. فقدْ آذنتهُ بالْحرْب، وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ: وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه).
انظروا ـ أحبتي الكرام ـ إلى أثر النافلة وكيف أن الله تعالى رفع من شأن هذا العبد وارتقى به إلى أعلى الدرجات، ومعنى الحديث: أن الله يسدد العبد المؤمن ويوفقه لطاعته واجتناب نواهيه، والإنسان بطبع حاله ضعيف محتاج إلى خالقه (وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (النساء ـ 28)، فكيف بهذا العبد يتكبر وينسى ما أفاض الله تعالى عليه من صنوف النعم.
نَسِيَ الطينُ ساعَةً أَنَّهُ طينٌ
حَقيرٌ فَصالَ تيها وَعَربَد
وَكَسى الخَزُّ جِسمَهُ فَتَباهى
وَحَوى المالَ كيسُهُ فَتَمَرَّد
فينبغي للمؤمن أن يعلم أن العبادة ليست خواء لا روح فيها أو حركات يتصنعها وإنما هذه العبادة هي التي تقربه إلى خالقه فيلهج لسانه ذاكرا لله وتتحرك حواسه متقربة إلى الله، ويكون له التناسق التام بينه وبين هذا الكون المسبح لله (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (الأسراء ـ 44).
أيها المؤمن التقي الورع الخائف من الله .. سابق في هذا المضمار لتنال جنة عرضها السماوات والأرض (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد ــ 21)، ومع محافظتك على الفرائض والواجبات خذ زادك من النوافل والقربات واستغل فترة الصحة والعافية والنعمة التي أنت عليها، والله يوفقنا جميعًا لنيل رضاه والحمد لله رب العالمين.