اجلس حالا في مكان مريح، وإذا كنت تقود سيارتك اركنها فورا، اترك كل شيء في يدك، واطلق العنان لتفكيرك بكل حريته، وابق على تلك الحالة بدون أن تجبر عقلك على السير في أي تداعي ذهني. وبعد دقائق يمكن أن تتوقف وأن تستعيد زمام قيادتك لعقلك. يمكنك أن تتخيل أمامك ثلاث خانات مكتوب عليها من اليسار الماضي ومن جهة الأمام الحاضر وناحية اليمين يقع المستقبل)، والآن تستطيع أن تستعيد أفكارك منذ قليل، هل يمكنك أن تضعها في خانة التفكير بالماضي، أما في خانة التفكير في الحاضر، أم ضمن التفكير في المستقبل. وبعد أن تتعرف على الطريقة الغالبة على تفكيرك، توقف قليلا لتتأمل فيما كان يدور في عقلك خلال نصف ساعة من الآن، وتستطيع أن تتساءل من خلال تصنيف أفكارك، أي واحد من بين الأزمنة الثلاثة يحمل أفكارا إيجابية ومبدعة وخلاقة؟ وأيها يجعلك تشعر بالسعادة والراحة والحماس والرغبة في الحياة، وهل من بين أزمنتك وأفكارك من يكرس عندك الشعور بالسوداوية والسلبية واستعادة الذكريات السلبية؟
أخبرني أحد الناس الناجحين أنه دأب أن يمارس هذا التدريب مرارا، ومن خلال تطبيقه استطاع أن يصبح مراقبا جيدا على عقله، وصار يوجهه نحو تحقيق الأهداف بدلا من أن يعيده هو الى مخزن النفايات الذهنية الذي يتراكم فيها التفكير الماضي السلبي. ومن خلال عملي في تقديم الاستشارات، أستطيع القول أن 95 من مشاكل الناس سببها التفكير في الماضي. لأن أغلب الناس يفكرون في الماضي، وليس في الماضي الإيجابي، بل يستعيدون مواقف الماضي السلبي فقط.
وبالتالي فإن التركيز الذهني على الماضي بشكل عام يجعل الشخص الذي يفكر بهذه الطريقة اسيرا للماضي، لا يتحرر منه، ويضع معاييره للحكم على الناس والمواقف والحياة بناء على ما يعرف عن ذلك في الماضي، كما أن الناس الذين يفكرون بهذه الطريقة هم أقل ابداعا من الذين يفكرون في الحاضر أو في المستقبل.
ذات مرة حدث خلاف بين زميلين في العمل، وقد أثار الخلاف عصبية الطرفين، وللأسف صار كل منهما يغرف من ماضي زميله ما يجعله هو المخطئ وأصبح الماضي شاهد زور على كل منهما. واحتدم الخلاف بينهما إلى مستوى جعل الفاظهما مشحونة بذخيرة الماضي، بل إن أغلب الناس الذين لا يتحركون لإحداث تغيير إيجابي في حياتهم مسكونون بالماضي.
ذات مرة جاءني شاب يشكو الظروف، وأنه لا يعثر على فرص افضل لتحسين حياته الاسرية والمهنية والمالية، وعندما أجريت عليه اختبارا بسيطا جدا، جعلته يكتشف أن سبب مشاكله كلها تلك الحدود الإدراكية التي يعيش ويفكر في اطارها المحدود، وبمرور الأيام فقد استسلم إلى حكم أنه بالإمكان افضل مما كان!.
إذا أردت أن تحقق النجاح فعليك أن تحطم حدود الماضي السلبي في عقلك وافتح عقلك على خيارات أخرى، وارسم لنفسك أهدافا جميلة وخذها بإيجابية إلى منصة الحاضر، واحذر دائما أن تبقى أسيرا للزمن الماضي، وتطلع الى المستقبل بشوق وحماس وأحضره الى الحاضر وحولها إلى عمل.

د. أحمد بن علي المعشني
رئيس مكتب النجاح للتنمية البشرية