[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
من المفترض أن تتجمع قوى الأمة وتتقارب ممثلة بالبشر في كل مكان، لكن ما يجري في هذه الأمة يشي بما هو مؤلم، ويؤكد أن خيباتنا تزداد ودائرة الدكانة تتسع، دون أن نجد ملمحا واحدا يخالف ذلك النهج الذي ـ للأسف ـ يتكرس في كل يوم وتزداد صلابته السلبية في كل بقعة من ارضنا.
عندما نريد التعرف على المحطة التي نقف عليها، نعود بالذاكرة إلى محطة أخرى، انطلاقا من مقولة الشيء يُعرف بنقيضه كما يقول بعض الإخوة، وقبل أن نعمل مسحا سريعا لمجمل الأحداث التي تعصف بنا وفي كل مكان، لنعود إلى الثلاثين من سبتمبر / ايلول من العام 2000، ففي ذلك اليوم انشدت ابصار ابناء الأمة من أقصى الغرب إلى ابعد نقطة في مشرق العرب إلى الشاشات الفضية لمتابعة مقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة، الذي اغتاله الإسرائيليون بينما كان يجلس القرفصاء بحضن والده الذي اراد حمايته من رصاص قاتل يتربص بالفلسطينيين، في ذلك اليوم ذرفت نساء وشابات وعجائز الأمة الدموع في الكثير من المدن والقرى، وسقطت دموع الكثير من الرجال، وكانت احاديث الجميع عن دم محمد الدرة المسفوك، تصدرت صورته الشاشات ونشرت الصحف على صفحاتها الأولى صوره وكيف سالت دماؤه، ومضت اشهر عديدة وايام طويلة وقصة الدرة وتداعياتها تحتل الصدارة من اهتمامات الناس في هذه الأمة.
لكن الأمر انقلب تماما، واصبح اهتمام البشر في هذه الأمة منصبا على الأخبار القادمة من مئات المدن والقرى، التي تنزف دما ويتساقط فيها الناس أكثر من تساقط اوراق الأشجار في ايام الخريف من كل عام، وازدادت الفضائيات والصحف ومواقع الانترنت وجميعها تتسابق لملاحقة اخبار الدماء والأرواح المزهزقة والأجساد الممزقة، واصبح الأطفال يستهلكون اخبار الموت اكثر مما يشاهدون افلام الكارتون، وصارت الصور المؤثثة لذاكرة الأجيال موسومة بالقتل والدم والدمار والخراب، فلا تأثيث للذاكرة إلا بأوراق البشر التي تتساقط بالجملة في كل ساعة وليس في كل اسبوع أو يوم.
يتكدس الحزن في دواخلنا فنتنفس ألما، وبدلا من السعي لتحاشي دمعة تجتاح وجه امرأة في بقعة ما، اصبحنا نصدر آلامنا لأطراف الأمة ووسطها ولجميع ابنائها المبثوثين في اصقاع الأرض.
هل فارقنا الخوف على الراحلين يوميا بسبب ما تكدس فينا من قناعة بازدياد قوافل الموت والقتل والدماء.
وهل سنعود يوما لنتألم جميعا على مصيبة صبي أو امرأة تصاب بالأذى في بقعة ما؟