تسير برامج التنمية في بلادنا بخطى واثقة باتجاه صعودي يمكن رصده بسهولة، إما من خلال المشاهدة العينية، حيث تتحول البلاد إلى خلية نحل تعمل ليل نهار لإرساء قواعد البنية التحتية، التي تقوم عليها نهضتنا المباركة في عامها الرابع والأربعين على درب التطور، أو من خلال الأرقام التي نتابعها، والتي يتم رصدها كلما اقتضت الخطة التنموية ذلك، ولذلك تشكل البنية التحتية أهمية قصوى وضرورة لا بد منها في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحظى مشاريعها باهتمام حكومي بالغ من حيث الكم والنوع، وذلك استلهامًا من فكر القائد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي أراد أن تنطلق النهضة المباركة على ركائز صلبة لتتمكن من مواكبة كافة التطورات، وكل ذلك من أجل بناء اقتصاد وطني قوي يتمتع ببنى أساسية واسعة وبيئة عمل ملائمة وسلسة تمكن الإنسان العماني من عمليات الإنتاج، والعمل على توفير كل ما يحتاجه من أساسيات ومتطلبات الحياة، ويحقق له العيش الكريم والرفاه والرخاء والسعادة، ويؤمِّن له الاستقرار النفسي والاجتماعي والأسري.
وبالحديث عن لغة الأرقام في معادلة البناء والتنمية، فقد كانت لافتة هذه اللغة يوم أمس، حيث سجلت الأرقام حضورها تحت قبة مجلس الشورى واستماعه لبيان معالي درويش بن إسماعيل البلوشي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية حول مشروع الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2015م. فقد أشار البيان إلى أن إجمالي الإنفاق مقدر بنحو (15) مليار ريال عماني أي بزيادة نسبتها (4%) على الموازنة المعدلة لعام 2014م. وعلى الرغم من التحديات التي تواجه مشروع الميزانية والمتمثلة في الانخفاض الحاد المقدر بحوالي أربعين دولارًا في أسعار النفط بعد أن كان (115) دولارًا، فإن مشروع الميزانية أكد دعم الاستقرار الاقتصادي والمحافظة على سلامة المركز المالي للدولة مع الإبقاء على تنفيذ الخطط الحكومية لتطوير الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، واستكمال وتطوير البنية الأساسية وتغطية المتطلبات الاجتماعية.
ومن الأجهزة التي لا تعترف إلا بلغة الأرقام ولا تتحدث إلا بها، وعن طريقها تسمح بمتابعة تطور خطط التنمية، يأتي مجلس المناقصات الذي يتحدث بلغة الأرقام التفصيلية ويبرز كمية المشاريع التي تم إرساؤها، حيث أعلن المجلس أمس عن إسناد مشاريع بقيمة تزيد على مئتين وسبعين (270) مليون ريال عماني، في مجالات مختلفة تنضوي تحت خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولا شك أن هذا التوجه لإنشاء مشاريع عملاقة ورصد مبالغ بهذا الحجم لها إنما يؤشر إلى متانة اقتصادنا الوطني والثقة الكاملة في تحقيق الرؤية المستقبلية وتوفر دعائم تحقيقها، وكذلك الثقة في قدرة بلادنا على التحول إلى موقع جذب للاستثمارات والسياحة العالمية.
وبلغة المشاريع العملاقة أبت المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم إلا أن تسجل حضورها في عملية البناء والتنمية الشاملة مؤكدة دورها الواعد والحيوي في رفد الاقتصاد الوطني بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي على بحر العرب حيث عبور سفن التجارة الدولية، حيث كانت أمس على موعد مع توقيع اتفاقية منح حقوق الانتفاع بالأرض لشركة مصفاة الدقم والصناعات البتروكيماوية بمساحة تبلغ حوالي (900) هكتار. وبهذه الاتفاقية تكون المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم قد خطت خطوة كبيرة في مجال الصناعات البتروكيماوية التي يؤمل أن تمثل قيمة مضافة للنفط الخام وتؤدي إلى زيادة الإيرادات وتحقيق التنويع الاقتصادي وتوفير فرص عمل للكوادر الوطنية الشابة. وما يميز هذه المنطقة الواعدة أنها تمضي في مراعاة أهمية توفر البنية التحتية اللازمة لجذب الاستثمارات والنشاط الاقتصادي، وذلك من خلال التوقيع على اتفاقيات التدريب للكوادر الوطنية من أبناء محافظة الوسطى الطامحين إلى خدمة وطنهم عبر هذا المرفق الحيوي، وكذلك توفير أسباب العيش الكريم والاستقرار الاجتماعي لهؤلاء الشباب، بالإضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم مع بنك مسقط تنص على قيام البنك ونافذته الإسلامية (ميثاق) بتسهيل حصول شركات ومؤسسات القطاع الخاص على التمويل اللازم لتنفيذ مشروعاتها بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في المنطقة الاقتصادية، وتذليل صعوبات التمويل التي تواجه المستثمرين خاصة قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وهكذا تمضي المسيرة النهضوية برعاية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على درب بناء الدولة العصرية، التي يطمح إليها أبناء عُمان، والتي تضعهم في مصاف الشعوب المتقدمة عن جدارة واستحقاق نظير ما تم ويتم حاليًّا بذله من جهد على مدى أربعة وأربعين عامًا.