[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fawzy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]فوزي رمضان
صحفي مصري[/author]
لعدم القدرة على تحديد موعد نهاية فيروس كورونا "كوفيد 19"، تكون الأزمة على الأرجح طويلة وكئيبة، وسيواجه العالم مرحلة استثنائية من عدم اليقين، بما يتعلق بعمق الأزمة ومدة بقائها، بل إن اليقين المتسرب يؤكد أن العالم يمر بأسوأ ركود اقتصادي منذ الحرب العالمية الأولى، خصوصا في القطاع الخاص وما يتبعه من أزمات وبطالة وإفلاس، تدفع بالنمو العالمي نحو معدلات سالبة حادة في أكثر من 160 دولة.
المتوقع أن يتجه العالم نحو سيناريو الانكماش الحاد، ثم النمو وليس التعافي السريع، وعلى الجميع أن يستعد لمواجهة هذا السيناريو حتى الخروج من الأزمة بأقل قدر من الخسائر. لكن هناك بعضا من الأفراد ممن يتقنون الاستثمار في الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث تتيح لهم الأزمات أفضل الفرص لصنع الثروات، غالبا قد يلجأ البعض نحو الملاذات التقليدية الآمنة، مثل الذهب أو العقارات قناعة بأن قطاع العقار هو الاستثمار الذي قد يمرض، لكنه لا يموت أبدا بفعل أي أزمة.
البعض اتجه لحلول غير تقليدية، وتسخير التكنولوجيا الحديثة التي تمكن من العمل في أي مكان وفي أي وقت، بفضل تكنولوجيا الأجهزة النقالة، وباتت الشركات التي تبنت بيئة عمل تعتمد على تسخير معطيات العصر ودرجة العمل المرن، أصبحت في المقدمة على حساب اللاعبين التقليديين، الذين وضعوا استثمارات كبيرة تقف الآن مغلقة وصامتة. فمعظم من حقق ثروات أو على الأقل تجنب الخسائر في هذه الأزمة، كان نتيجة اقتناص الفرص والتعامل الاقتصادي المحترف مع الأزمات بأسلوب ابتكاري متقن، ومن منظور قناعة تؤكد أن لكل أزمة ذروة، ثم سرعان ما تتراجع لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من الصعود.
القاعدة الذهبية للاستثمار تؤكد أن لا تضع كل البيض في سلة واحدة مهما بدا أحد الاستثمارات مغريا، فتنوع مجالات التجارة أمر عادة ما يوصف بأنه من أساسيات رجل الأعمال الشاطر، والمثال جاك مارك مدير شركة علي بابا الصينية، استغل أزمة فيروس سارس منذ فترة، ليصبح أحد أكبر التجار على شبكة الإنترنت في العالم، بعدما كان تاجرا تقليديا صغيرا، يمارس نشاطه المحدود من خلال جدران شقته المتواضعة.. وبذكاء وبُعد نظر حول العالم أجمع إلى مخزن كبير لتجارته المتنامية.
في الوقت الذي يصرخ فيه العالم من الخسائر والركود والانكماش، ورغم دخول الولايات المتحدة الأميركية في أسوأ ركود اقتصادي، يتحول جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون إلى أول إنسان في التاريخ تتجاوز ثروته 200 مليار دولار، من خلال جلسة تداولات في البورصة، ويربح في ست ساعات 13 مليار دولار. فقد استغل بيزوس أزمة كورونا والإغلاق التام في معظم الدول، لتتفوق شركته في التسويق الإلكتروني عبر الإنترنت، وهو المجال الذي تهيمن عليه أمازون منذ أن أسسها بيزوس 1994 في واشنطن.
ما بعد كورونا العالم يتغير، ومعه تتغير الأنماط التجارية، وتتبدل القوالب التسويقية الثابتة، وقد أيقن هذا التحول السريع بعض الشباب ممن فقدوا فرص العمل على الأرض، فراحوا يبحثون عنها من خلال العالم الافتراضي، وكان لهم ما أرادوا؛ فقد دشَّن معظمهم مشاريعهم التجارية، واستغلوا شبكة الإنترنت في تسويق المنتجات بكافة أنواعها وأشكالها، بدءا من الطماطم وحتى السيارات، ورأسمالهم في هذه التجارة، تقريبا صفر أموال، وصفر محلات، فقط هاتف نقال ودعاية للمشروع عبر المواقع الإلكترونية، ومع استساغة خدماته من قبل جمهور المستهلكين، يكبر المشروع وتبدأ رحلة إيجاد مواقع ومخازن، وتكوين أسطول من السيارات، للوصول بالبضائع حتى أبواب المنازل، بمعنى آخر؛ مشاريع تمثل نماذج مصغرة من شركة علي بابا وأمازون.
إنها مشاريع تكبر وتتضخم بفعل التزايد السكاني، واعتمادهم بشكل كلي على خدمات التوصيل (الديلفري) التي أصبحت جزءًا مهمًّا من ثقافة الشعوب، توفيرا للوقت وخلودا للراحة بعيدا عن التزاحم، والخوف من عدوى فيروس كورونا. وحتى إن انتهت الأزمة ستظل خدمات التسويق عبر الإنترنت هي الوسيلة الأكثر رواجا وانتشارا مستقبلا، إنها فن صناعة الفرص، وعبقريقة الخروج من الدوائر المغلقة، والبحث عن سبل ابتكارية، وحلول غير تقليدية للتغلب على مستعصيات الوضع الراهن، الذي لم يعد يقبل بغير التغيير.