خالد الصالحي:
من المعروف أن هناك عددا من العوامل المهمة التي تلعب دورا رئيسيا في جذب الاستثمار الأجنبي، فالشركات الأجنبية عندما تقرر الاستثمار في سوق معينة تنظر إلى عدد من العوامل، وتتفاوت أهمية هذه العوامل بحسب القطاع المستهدف وبحسب رؤية الشركة، وسنتطرق في هذا المقال القصير لعدد من تلك العوامل على النحو الآتي :
ـ معدلات الأجور: يأتي انخفاض معدلات الأجور في مقدمة العوامل التي تشجع على الاستثمار الأجنبي، خصوصا في القطاعات التي تتميز بالكثافة العمالية كالقطاع الصناعي، فالشركات متعددة الجنسيات تسعى دائما لفتح مصانع لها في المناطق التي تتميز بالأيدي العاملة الرخيصة؛ لذلك نرى الكثير منها يستثمر في دول كالهند والصين وبنجلاديش وإندونيسيا؛ لأن هذه الدول تتميز بالأيدي العاملة الرخيصة، إلا أنه يجب التنويه إلى أن انخفاض معدلات الأجور ليس هو العامل الأهم في تحديد قرار الاستثمار. على سبيل المثال، تتردد بعض الشركات للاستثمار في الدول الإفريقية ـ على الرغم من وجود أيد عاملة رخيصة بها ـ والسبب يعود إلى وجود عيوب هيكلية وإدارية في تلك الدول كضعف البنية التحتية، وانتشار الفساد وضعف التشريعات التنظيمية .
ـ الأيدي العاملة الماهرة: يعتبر توافر الأيدي العاملة الماهرة أحد أهم الحوافز التي تشجع على الاستثمار الأجنبي، خصوصا إذا كان الاستثمار يستهدف قطاعات تحتاج إلى مهارات معينة كالقطاعات المرتبطة بالصناعات الدوائية والصناعات التكنولوجية والإلكترونية وأجهزة الاتصالات والصناعات العسكرية، هذه الصناعات تحتاج إلى مهارات فنية وتقنية عالية؛ لذلك فإنه من الضروري وجود معاهد متخصصة لتأهيل الشباب للعمل في مثل هذه القطاعات.
ـ معدلات الضرائب: يسعى الكثير من الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات للاستثمار في الدول ذات الضرائب المنخفضة أو المتوسطة، وتتجنب دائما الدول التي تتميز بضرائب عالية، وذلك من أجل أن تضمن تحقيق أعلى نسبة من الأرباح، كما أن ارتفاع الضرائب قد يؤدي إلى فشل الكثير من المشاريع، خصوصا في السنوات الأولى من التأسيس، وقد أثبت الكثير من التجارب أن سياسة خفض الضرائب تلعب دورا إيجابيا في جذب الاستثمارات الأجنبية بجانب أن لها دورا رئيسيا في النمو الاقتصادي بشكل عام.
ـ البنية التحتية وشبكات النقل: لم تنجح بعض الدول النامية في جذب الاستثمارات الأجنبية ـ على الرغم من توافر الأيدي العاملة الرخيصة بها ـ والسبب الرئيسي يعود لافتقار تلك الدول إلى البنى التحتية المتطورة التي تسهم بشكل فاعل في نجاح الأعمال التجارية. فافتقار تلك الدول إلى شبكات النقل الحديثة والموانئ المتطورة والمطارات العملاقة وشبكات الاتصالات الحديثة قد يلعب دورا رئيسيا في رفع تكلفة النقل والتصدير، وغيرها من التكاليف اللوجستية والفنية. هذا يجعل الكثير من الشركات تحجم عن الاستثمار في تلك الدول .
ـ حجم الاقتصاد المحلي وآفاق النمو: يسعى الكثير من الشركات للاستثمار في البلدان التي تمتاز بكثافة سكانية مرتفعة، ذلك أن تلك البلدان تتميز بأسواق محلية ضخمة. ومع نمو الطبقة المتوسطة في تلك الدول فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع كبير في معدلات الاستهلاك، هذا يعني أن نسب نمو الأعمال التجارية في مثل تلك الأسواق تكون مرتفعة جدا، وهو الشيء الذي يبحث عنه الكثير من الشركات متعددة الجنسيات .
ـ الوصول إلى مناطق التجارة الحرة: يحرص الكثير من الشركات الأجنبية على الاستثمار في التكتلات الاقتصادية الكبرى كالاتحاد الأوروبي، وتكتل أميركا الشمالية ودول البريكس، وذلك للاستفادة من المزايا التي تتمتع بها تلك الأسواق الموحدة (كالإعفاءات الجمركية وتوحيد القواعد واللوائح، وحرية التنقل بين دول الاتحاد). إن هذه المزايا تتيح للشركات الأجنبية ممارسة أنشطتها بسهولة وأريحية وبضرائب رمزية. يذكر أن عددا من المحللين الاقتصاديين قد أشاروا إلى أن المملكة المتحدة ستخسر هذه المزايا بمجرد خروجها من الاتحاد الأوروبي، هذا سيؤدي إلى انخفاض جاذبيتها كواجهة للاستثمار الأجنبي، بل إن بعض الشركات الأجنبية قد بدأت بالفعل في نقل أنشطتها إلى بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي.
ـ الاستقرار السياسي والاقتصادي: يحتوي الاستثمار الأجنبي على عنصر المخاطرة؛ لذلك فإن البلدان التي تتميز بعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي ستكون غير مشجعة على الاستثمار فيها. على سبيل المثال، نرى الكثير من البلدان الشيوعية (سابقا) في أوروبا الشرقية تحرص على الانضمام للاتحاد الأوروبي؛ لأن الانضمام إلى هذا الاتحاد يعد مؤشرا جيدا على الاستقرار السياسي والاقتصادي، وبالتالي يشجع الشركات الأجنبية على الاستثمار في تلك الدول. يجب التنويه هنا إلى أن الاستقرار السياسي يشمل أيضا مستوى الفساد وحوكمة المؤسسات ومدى الاستقلالية والنزاهة التي تتمتع بها المؤسسات القضائية والأمنية.
ـ سعر الصرف: إن البلدان التي تتميز بسعر صرف منخفض تكون عادة أكثر جاذبية للاستثمار من غيرها؛ لأن تكلفة التأسيس وشراء الأصول في تلك البلدان تكون أقل بكثير بالمقارنة مع البلدان ذات الصرف المرتفع. يذكر أن تقلبات الصرف الحادة تعتبر أيضا من معوقات الاستثمار الأجنبي .
في الختام يمكن القول إن العوامل كثيرة ومتعددة؛ لذلك من الصعب جدا تحديد ما هو العامل الأهم نظرا للمتغيرات الكثيرة، إلا أن تحديد العامل المفصلي يعتمد كثيرا على القطاع المستهدف؛ فعند الاستثمار في المجال الصناعي ستكون الأجور المنخفضة هي العامل الأهم؛ لأن هذا القطاع يمتاز بالأيدي العاملة الكثيفة، أما عند الاستثمار في قطاع الخدمات فإن الاستقرار السياسي والاقتصادي هو العامل الأكثر أهمية. أيضا تعتبر جهة الاستثمار مهمة في تحديد هذا العامل؛ فالشركات الأميركية تعطي أولوية للانفتاح السياسي أكثر من الشركات الصينية، كما أن الشركات الأميركية تفضل الاستثمار في الدول التي تتحدث الإنجليزية أكثر من غيرها .

كاتب عماني