منذ أن أعلنت الولايات المتحدة عزمها تشكيل تحالفها بذريعة محاربة "داعش" في كل من العراق وسوريا، كانت هناك هالة من الشكوك حول النيات التي تقف وراء هذا التحالف، وما زاد حجم الشكوك هو الإعلان الأميركي استبعاد المكتوين بالإرهاب من التحالف وتحديدًا سوريا، ولكن وفور بدء هذا التحالف عملياته تحولت هذه الشكوك إلى اليقين بأن "داعش" لم يكن سوى مسمار جحا، وإلا فإن الهدف الحقيقي هو استهداف سوريا وإسقاط حكومتها الشرعية المنتخبة، ولم يكن إسقاط الطائرات الأميركية السلاح والطعام لمسلحي "داعش" وباعتراف المسلحين المعتقلين أنفسهم وسط احتجاج عراقي رسمي على التصرف الأميركي، إلا قرينة كبرى واحدة على النيات المبيتة ضد سوريا.
اليوم وبعد إحالته إلى التقاعد بعد مؤتمري جنيف يحاول ما سمي بـ"الائتلاف" العودة إلى وظيفته الرسمية الموكلة إليه، وهي تقديم الغطاء السياسي للإرهاب المختلف الألوان والأشكال والذي تشنه مختلف العصابات الإرهابية المسلحة ذات المسميات المتعددة والتي ما أنزل الله بها من سلطان، من خلال مبادرة ستيفان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا والتي تدعو إلى "تجميد القتال" بدءًا بمدينة حلب. ويقينًا أن هذه العودة لما سمي بـ"الائتلاف" جاءت بناء على أوامر أسياده وصناعه للدخول على خط المبادرة التي يرى فيها جميعهم (أسيادًا ووكلاء وأدوات) مخرجًا لإنقاذ العصابات الإرهابية المسلحة من الضربات العسكرية الدقيقة التي يوجهها إليها الجيش العربي السوري الذي بات يضيق عليها الخناق في مدينة حلب، ومخرجًا من الهزائم والانكسارات السياسية المتكررة لحلف التآمر والعدوان، ذلك أن استعادة الجيش العربي لمدينة حلب وتطهيرها من دنس الإرهاب ستشكل ضربة عسكرية وسياسية كبرى تطيح بكل أحلام المتآمرين، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يعتبر المتآمرون مبادرة دي ميستورا طوق نجاة لمشروعهم التدميري المتهاوي، وسبيلًا ينقلهم إلى الخطوة الثانية من الحرب الإعلامية على "داعش" بإقامة مناطق عازلة أو مناطق آمنة، وبالتالي تعديل التوازن على الأرض وتعطيهم ورقة يمكن لهم أن يصرفوها في السياسة لابتزاز سوريا أو إسقاط الحكومة الشرعية.
ولذلك جيء بأعضاء ما يسمى "الائتلاف" من فنادق الولايات المتحدة وأوروبا وبعض الدول الإقليمية وأروقة أجهزة استخباراتها لتقديم الغطاء السياسي للعمل العسكري المراد به حماية الإرهاب في سوريا، حيث طرح هؤلاء الدمى الوظيفية ثلاث مناطق آمنة تشمل "شمال خط العرض 35 (المنطقة الشمالية الحدودية مع تركيا)، وجنوب خط العرض 33 (المنطقة الجنوبية الحدودية مع الأردن)، وفي إقليم القلمون (شمال دمشق، حدودية مع لبنان)، على أن يحظر فيها وجود "النظام وميليشياته" وأي امتداد له". وتعد هذه المرة الأولى يطرح فيها هؤلاء هذه المناطق وبهذه الدقة، ما يؤكد دقة الوصف عليهم بأنهم مجرد دمى لها أدوار وظيفية، لأنه بالنظر إلى المناطق المقترحة هي ذاتها التي يحاول معشر المتآمرين إقامتها منذ فترة بعيدة، ولكنهم عاجزون عن ذلك لقوة الجيش العربي السوري وقوة الموقف السياسي لحلفاء سوريا.
إذًا، لم يكن ما يسمى "الائتلاف" السوري المعارض سوى حاضنة سياسية للإرهاب ومدافعة عنه، وباقتراحه هذه المناطق الآمنة لفتح المجال أمام العصابات الإرهابية المسلحة هو دليل إضافي إلى ما أثبته من مواقف سابقة، سواء خلال مؤتمري جنيف الأول والثاني من أنه حاضنة سياسية للإرهاب وذلك حين رفض كل المطالب بمحاربة الإرهاب أولًا والانتقال ثانيًا إلى الحوار وتشكيل الحكومة الانتقالية التي يطالب بها، أو تسول التدخل العسكري المباشر. ولكنه وعلى الرغم من هذه الاستماتة في الدفاع عن الإرهاب والحاضنة له ليس بمقدوره أن يمنع رصاصة من أحد عناصر العصابات الإرهابية التي يدافع عنها، بل يعجز عن أن يعطي أمرًا لعنصر واحد بالتوقف عن قتل المدنيين السوريين الأبرياء، وليس منعه.