علي بن سالم الرواحي:
قد يكون هناك حديث أول، ثم يصدر حديث ثانٍ في بابه، لكنه بعض عبارته زائدة عن الأول، مع العلم أن جميع الرواة للحديثين ثقات، وأن الزيادة صادرة من ثقة أو جملة ثقات، فما حكم أهل الحديث في الزيادة هل ترد أم تقبل؟!.

* أقسام ما ينفرد به الثقة:

(1) أن يخالف الثقة رواية الثقات، اختلاف تضاد، فهذا شاذ مرود، (2) أن لا يخالف الثقة في روايته رواية غيره من الثقات، فهذا مقبول كما قد يكون حديث الثقات عامًّا، وحديث الثقة الواحد مخصوصًا فهذا اختلاف تنوع، (3) أن يذكر حديث ثقة زيادة لفظة على حديث سائر الثقات.

ولنضرب مثالًا على كل ما تقدم فنقول:(أولًا) ـ مثال على الزيادة غير المقبولة: وذلك إذا وقع تنافر وتناقض بين الروايتين، أحدهما: رواية الثقات، والثانية: رواية الثقة، مثال ذلك مثل:(شفاعتي لأهل كبائر وليست شفاعتي لأهل الكبائر).

* حديث الثقات الناقص، والصحيح عند أهل السنة:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:(شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي)، فقد أتى عن طريق جابر بن عبدالله وابن عمر وأنس وابن عباس ـ رضي الله عنهم جميعًا.

* حديث الثقة الزائد، والصحيح عند الاباضية:

جاءعن جَابِرِ بْنُ زَيْدٍ عَنِ النَّبِي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:(لَيْسَتِ الشَّفَاعَةُ لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي)، ونرى أن بين الحديث الزائد وبين الحديث الناقص تناقضًا، لأن الزيادة هي حرف نفي (ليست)، ونرى أن الزيادة عند الاباضية وعدمها عند أهل السنة والجماعة، وبما أن الفريقين متنافران فيما اتجها إليه، فإن أحدهما صائب والآخر خاطئ، ولا نقوى على رد هذه الزيادة لتوافقها مع النصوص القرآنية الثابتة، وعموم نصوص السنة الشريفة .. والله أعلم.

وثانيًا ـ مثال على الزيادة المقبولة: وذلك إذا وقعت زيادة في رواية الثقة لا تناقض رواية الثقات بل تتكامل معها، كما يلي:(1) حديث الثقات الناقص: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَحَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَرَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ جَمِيعًا، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:(جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا)، (2) حديث الثقة المنفرد الزائد: حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):(فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ)، وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى، (3) الزيادة: هي (تربتها)، ويلاحظ أن التربة من مكونات الأرض فليس بينهما تناقض بل رواية الثقة المحتوية على الزيادة أتت مخصصة لرواية الثقات.

وثالثاً ـ مثال على زيادة لفظة في حديث الثقة دون سائر حديث الثقات:

وقد يمثل له، بالمثال الثاني المذكور آنفاً، حيث أن لفظة (تربتها) لم يذكرها سائر الثقات في مروياتهم, ومنه كذلك:(حديث الثقة الناقص): عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: (الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنُ اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ)، و(حديث الثقة الزائد): عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):(وِكَاءُ السَّهِ الْعَيْنَانِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ)، والزيادة:(فمن نام فليتوضأ) نرى أن الزيادة الآتية في حديث الثقة لا تناقِضُ حديث الثقات ولكنها تضيف حكماً جديداً إليه.

وأخيراً .. ذهب الجمهور أهل الحديث ومن الفقهاء إلى قبول الزيادة من الثقات، وذلك في حالتين:(1) إذا جاءت من ثقة واحد أورد الزيادة في رواية و لم يوردها في رواية أخرى، (2) إذا أورد الثقة الزيادة في روايته، وأورد غيره في روايته دون أن يذكر الزيادة فيها، قلت وذلك إذا لم تكن الزيادة تُحدِث تناقضاً ما بين الروايتين، ونعرِض عن ذكر آراء غير الجمهور طلباً للاختصار.

* كاتب عماني